ابن الرومي من أروع الشعراء في الوصف المجسد، حتى وصفه ابن رشيق بأنه (أكثر الشعراء اختراعاً) أما العقاد فيعتبر ابن الرومي (وحيد شعراء العالم من مشرقه إلى مغربه ومن قديمه إلى حديثه في ملكة التصوير) كتاب أنا ولا نحبذ هذا التقديم المطلق المتصف بالجزم والتعميم وإن صدر من قامة كالعقاد، فإن ملكة التصوير عند المتنبي أقوى منها عند ابن الرومي ولكن الأخير ركز وفصل.. (شمس الأصيل) إذا رنقت شمس الأصيل ونفضت على الأفق الغربي ورساً مذعذعا وودعت الدنيا لتقضي نحبها وشول باقي عمرها فتشعشعا ولاحظت النوار وهي مريضة وقد وضعت خداً إلى الأرض اضرعا كما لاحظت عواده عين مدنف توجع من أوصابه ما توجعا وظلت عيون النور تخضل بالندى كما اغرورقت عين الشجي لتدمعا يرا عينها صوراً إليها روانياً ويلحظن من الشجو خشعا وبين اغضاء الفراق عليهما كأنهما خلا صفاء تودعا لقد كان ابن الرومي مرهف الحس دقيق الملاحظة والوصف والدمج بين ما يشاهد وكأنه رسام بارع لا يكتفي بتصوير ما يرى بل يبث فيه الحركة ويبعث من خلاله وميضاً من الايحاء حتى يكاد ينطق بمعان لا تخطر على بال، ويفيض بمشاعر لا يتصورها الناظر، وأول ما يلفت الانتباه في مجمل وصفه لمشهد الغروب أن الصورة في مجملها حزينة تبعث الوحشة ولو كانت صورها جميلة، فالشمس قد وضعت خدها على الأرض تتفرع (ونحن نؤمن أنها - مثل كل المخلوقات - تتفرع لربها) كما صبغت الأفق الغربي بلون تتمزج فيه الحمرة مع الصفرة حيث يلوح الشفق بألوانه البديعة.. ولكن الشمس - في عين ابن الرومي - تقضي نحبها وتضع على الأرض خدها وتلحظ الزهر وهي مريضة كأنها عليل ينظر لعواده بربع عين لشدة أوجاعه، أما الزهور المخضلة بالندى فلم يرها الشاعر جذلى بل شجية تغرورق عيونها بالدموع وتفضي حزنا في وداع الشمس التي تبادلها الاسى بمثله.. شاعر فنان لكنه قد ضربه الاكتئاب.