لـم تعـرف المنطقة الشرقية الموسيقى إلا من خلال المذيـاع الذي كان يبث برامجـه الموسيقية وغيرها من إذاعات مصر والعراق والأردن وإذاعة الشرق الأدنى ومن ثم الكويت والتي لحقت بها البحرين فيما بعد. وقبل ذلك كان هناك أنـواع من الفولكلور الشعبي الذي كان يغنى بدون مصاحبة آلات موسيقية وهي أغاني البحارة والغوص مثل الفجـري والنهامـة واللـيوة وكذلك أهازيـج البنائـين، كما كانت توجد بعض الأغاني الشعبية التي تغنى في الأعـراس والتي كانت تعتمـد على الإيـقاعات يصاحبها نـوع من الرقص كان يعرف على مستوى دول الخليـج بـ ( الزفـان ) وهو نـوع من الرقص يقوم به الرجال يعتمـد على تحريـك الأكتاف والقفـز والخطوات والدوران مع حركات الإيـقاع، وترجـع جذوره إلى بعض القبائل الأفريقـية. في منتصف الخمسينات من القرن الماضي افتتحت أول إذاعـة في الخليـج وهي إذاعـة الكويـت ثـم تلـتها إذاعـة البحريـن. وقـد ساهمـت الإذاعـتان في الترويـج لمـا يعـرف بـ أغاني ( الصوت) وهو لـون من الغناء ابتكره الفـنان الراحل عبد الله الفـرج بعد عودتـه لوطـنه الكويـت من بلاد الهـند التي ولد وترعـرع فيها واكتسب منها بعض أنـواع الفنون الغنائـية والموسيقـية، قام بتطويـرها لكي تـتواءم مع الكلمات العربـية، معتمدا في ذلك على بعض عـيون الشعـر العـربي كمقدمات لتلك الأغاني. وقد قامـت إذاعـة الكويـت بدور رئيسي في الترويـج لهذا الفـن الذي شـاع وانتشـر في إمارتي البحـرين والكـويـت آنـذاك، ثـم بـدأ الناس في المنطقـة الشرقيـة يتأثـرون بـه ويمارسونـه في حفـلات الأعـراس والمناسبات العامـة ولكن بـدون مصاحـبة آلات موسيقية، ذلك أن الموسيقى لم تكن مباحـة في تلك الحقبـة الزمنيـة، ولم يسمـح بإدخال الآلات الموسيقـية إلى البـلاد إلا بعد عام 1962م ، أما قـبل ذلك فكان يـتم إدخالها عن طريـق التهـريـب. وفي عام 1962م ، بعد عودة المغفـور له الملك سعود بن عبد العزيـز من الرحلـة العلاجـية إلى الولايـات المتحـدة الأمريـكية، حيث كانت محطة وصوله إلى أرض الوطن من خـلال مطار الظهـران، والـذي كان المطار الـدولي الوحيــد في المملكـة آنـذاك. فقد احتفلـت المنطقة الشرقية بعودة الملك بعد أن تكللـت العملية الجراحية التي أجـراها لعينـيه بالشفاء، وتحولـت مـدن المنطقة الشرقية بأكملها إلى كرنفالات لـم تشهـد مثلها المملكة من قبـل. فقد أضيـئت شوارع وحدائـق الخـبر والدمام والقطـيف والأحساء على مـدار الساعة وكأنـها مديـنة لاس فيجاس الشهـيرة، هذا بالإضافـة إلى إلباسها حلـة خضـراء من سعـف النخـيل وبعض الأشجار التي جلـبت من واحتي القطـيف والأحساء .. ولـم يقتصـر الاحتفال الذي امتد لمـدة ثلاثـة أيام بلياليـها من إنارة الشوارع والعرضات، بل إن حديقـة البلديـة في الخـبر آنـذاك والتي كانت تعتـبر أكـبر حديقـة على مستوى المملكة، ذهبـت إلى أبعد من ذلك بكثـير، فقد تحولت إلى خلـية نحـل، قصدها كل أطياف المجتمـع بـرجالها ونسائـها وأطفالها الذين جاؤوا من الأحساء والقطـيف والدمام وذلك للالتفاف حول مركـز الحـفل الموسيقي الذي كان يقام بمصاحبة آلات موسيقيـة مثـل العـود والكمان بالإضافة للطبول والدفوف والصاجات لأول مـرة في المملكة وفي مكان عام. شارك في ذلك الحـفل فنانون من البحـرين مثـل محمد زويـد ومن اليمن أحمـد يوسف الزبيدي وكذلك فنانون من المنطقـة الغربـية لا أستطيـع تذكرهم. لكن ذلك العام مثـل نقلـة تاريـخيـة مهمـة في المملكة التي كانت تعـتبر الموسيقى مـن المحـرمات ويـجـرم ويـعـزر مـن يضـبط ولديـه آلة الجـرامافون أو أيـة آلـة موسيقية أخرى. بعـد بضعـة شهـور من هذا الحـدث تحفـز بعض من محبي الموسيقى والطـرب في مديـنة الخـبر، والذين ــ كما بدا لي فيما بعد ــ أنهـم كانوا يمارسـون هـذه الهـوايـة الموسيقـية سـرا، إلى إعـلان حـبهـم وممارستهـم لهـذه الهـوايـة. وقد تبنى النادي الأهلي في مديـنة الخـبر فكـرة فتـح صـف لتعلـيم الموسيقى ليكون البـذرة لتكوين فرقـة موسيقية فيما بعد.. وهكـذا كان، فـمن ذلك النادي ولدت أول فرقـة موسيقية أهلـية عرفـتها المملكة وهي (اوركسترا الخـبر ).. وسوف أتناول مـراحل تكوين وتطـور وتحول هذه الفـرقة في مقالي القادم. Alsenan_composer@hotmail.com