مصطلح الوسطية مراوغ وغير قابل للتأطير، كونها منطقة رمادية مبهمة، يحاول الجميع أن يلوذ بها وينضوي تحت سقفها، لاسيما بعد النتائج التدميرية لحركات العنف الديني في العقود الأخيرة، عندها بات محتماً على أصحاب الخطاب الديني بشقيه التقليدي والمسيس أن يخترعوا هذه المساحة المسماة بالوسطية، كي تعصمهم من طوفان الاتهامات والانتقاص والمحاسبية التي عصفت بالمكان وطالت وطنيتهم وإنسانيتهم وولاءاتهم. ومع تزايد أصابع الاتهام التي تشير باتجاه محاضن التطرف والتكفير وتضييق الحصار الأمني، تحولت الوسطية إلى منطقة خارج الشبهات يهرول لها المريب ومبيض الصفحات، بحيث تكون هي المنجى من وصمة التطرف التي قد تهدد المستقبل الوظيفي أو الأكاديمي والنجومية أو الحضور الاجتماعي. الوسطية هو مصطلح مراوغ واستحواذي تسلطي فأنا من الممكن أن أخطئك وأكفرك وأيضا أسجنك... بذريعة أنك خرجت عن الوسطية.... أو تحديداً وسطيتي. المشكلة هنا أن الوسطية أصبحت مساحة فضفاضة وكل بات باستطاعته أن يندرج تحت لوائها، وليس هناك تعريف واف ضاف لها.... فالذي يكفر تارك الصلاة ويأمر بقتله وفاء لعقيدة الولاء والبراء. ويرفض آلات التصوير داخل الحرم... كما سبق أن عارض مشروع التوسعة على المسلمين في المسعى...إلى الآن يصنف كوسطي (ليس قرون وسطى) بل وسطي يتصدر حلقات المساجد كمطلق للفتاوى ومعلم للمسلمين بشؤون دينهم ودنياهم ويحوز على مراتب دينية عليا في تراتب الهيكلية الدينية. أيضاً مابرح يسمي نفسه وسطياً... ذلك الذي يرفض أن يصدر فتوى ملزمة ضد التنظيمات الإرهابية (القاعدة وأخواتها) لأن هذه التنظيمات تتوافق مع الصورة المثلى في أعماقه وأحلامه الكامنة عن دولة الخلافة؟ بل قد يسميهم بالمجاهدين في دوائره الضيقة. مابرح يسمي نفسه وسطياً.... مكفر فاعل الكبيرة، رغم أن من أفتى بهذا وأخذ به هم غلاة الخوارج.... مابرح يسمي نفسه وسطياً الذي ينعت بعض المواطنين بأوصاف تكفيرية وانتقاصية لأسباب مذهبية وطائفية، طاعناً في مذهبهم مؤذياً مقدساتهم مستغلاً منبره وسلطته لحصارهم بمحصوله الناتج عن نبش قبور الفتن ومواطن الريبة... مابرح يسمي نفسه وسطياً. والذي يضع العصي في عجلة التنمية رافضاً كل مشاريع الدولة التنموية ابتداء من التقنية الحديثة وصولاً إلى الابتعاث مابرح مطمئناً بأنه في المنطقة الوسطى بعد كل هذا الحشد المتراص المتكالب في أرض الوسطية. إذاً من هو المتطرف ؟؟؟ هل المتطرف هو فقط الذي يلف حول خصره حزاماً ناسفاً؟ .... عندها فقط يتوافق عليه الجمع بأنه متطرف؟ صاحب الحزام لم ينزل لنا من السماء أو يظهر كنبت الكمأة بلا سقيا... بل هو منتج محلي له تربته الحاضنة وفكر يسقيه ويغذيه ويحدب عليه ويتولاه بالرعاية. ... وما لم نتصالح مع هذه الحقيقة المفجعة ونبحث لها عن حلول، فستظل الوسطية هي تلك المنطقة الغامضة الماكرة التي تحتوي الجميع بمنأى عن المحاسبية والمراجعة؟