البيروقراطية كائن خيالي أينما حل ببيئة عمل بددها وكبح انطلاقها وأبطأ في تطورها، نحاربه ونكتب عنه بالرغم من أننا لم نره، ولسوء الحظ لا حُسنه اليوم بات واضحاً جليّا، لكي تراه عزيزي القارئ كل ما عليك فعله هو أن تأخذ الريموت كنترول وتتوقف أمام سلسلة قنوات التلفزيون السعودي ستجد كائنات بيروقراطية متناثرة تسكن بكل زاوية تستطيع الكاميرا التقاطها، يخيّل إليك بأنك تشاهد ما يعرض عبر الشاشة قبل ثلاثة عقود، وبالفعل هو كذلك لأن بعضاً ممن يديرون البرامج التلفزيونية قد عمروا في التلفزيون والبرامج طويلاً، لذلك مازال يدار بالطريقة القديمة ولا عجب فالتشبث بالمناصب لدينا عرف سائد. أصبح التلفزيون السعودي من وسيلة جذب للمشاهد إلى مصدر إبعاد وملل ممنهج، بات مثار سخرية وتهكم من قبل المشاهدين، خسر ثقة جماهيره الساحقة، وتوقف عاجزاً عن استعادتهم من جديد أمام السباق المتسارع من الكم الهائل للقنوات التي تملأ الفضاء تنافساً. ألقوا بالنظر لما يعرض به حالياً من مسلسلات وبرامج تكاد تكون خالية من التقنية الحديثة للصوت والصورة، وكأنك تشاهد قناة لا تمتلك الإمكانيات والموارد، أصبح التلفزيون تجمعا لفنانين رحلوا عن الفن ولم يجدوا سواه حضنا لهم بعد أن هجرتهم الفرص والأضواء ليعرضوا الهزل من النصوص والأداء بمبالغ طائلة بلا فائدة وبلا رسالة. من عباءة التلفزيون السعودي خرجت كفاءات أصبحت بفترة وجيزة من أهم إعلاميي العالم العربي، حوربوا وهاجروا من بيروقراطية التلفزيون السعودي إلى قنوات خاصة تتعامل معهم وفق إمكانياتهم لا كموظف حكومي يتقاضى مرتبه بآخر الشهر سواء أبدع أم لا، ولأنهم لم يجدوا البيئة الحاضنة لنماء مواهبهم ودعمهم تسابقت القنوات بالعروض المغرية لهم للظفر بخدماتهم والاستفادة من مواهبهم وتفعيلها بما يخدم مصالح الاثنين معاً. غياب المنهجية والروئ المستقبلية لأي عمل هو الطريقة الأسرع للفشل، التلفزيون السعودي لن يتقدم قيد أنملة ما لم يؤمن أصحاب القرار فيه بأن المشكلة الحقيقية هي بمن يديرونه وفق عقليات زمن "الأبيض والأسود"، بطريقة تقليدية لا تصلح لإدارة جهاز إعلامي حكومي مشاهدوه مصدر ثراء لكل القنوات، لكم أن تتخيلوا رجلا يقدم خبرا رياضيا بملامح عابسة وكأنه يتحدث عن أحد فصول الحرب العالمية الثانية، قنوات خاصة تذيع لنا أخبارا حصرية عن شؤون الوطن ونافذتنا الأولى في سبات عميق، ما يحتاجه التلفزيون السعودي الآن هو بث دماء شابة ومتجددة تعيده إلى النبض من جديد عبر استقطاب كفاءات مؤهلة للرقي بالخدمات المقدمة للمشاهدين، وتدرك أن الإعلام صوت المواطن الأول والأهم.