يقال إنه حينما يفلس الكتاب والمؤلفون والممثلون يلجأون إلى الدفاتر القديمة .. إلى التاريخ واستحضار شخصيات الأزمنة الغابرة أو الروايات العالمية، لكن يحيى الفخراني ظل حالة خاصة في الدراما والمسرح المصري الجاد على مدى تاريخه الفني الطويل، فالفخراني جسّد المسرح العالمي في مصر وسكنته شخصياته ذات العمق المنطلق من رؤية شاملة للحياة وبما فيها من شخوص وأحداث، فنجح على الداوام في الأدوار ذات البعد العالمي. والدراما المصرية ومعها السينما كذلك كثيراً ما لجأت إلى (تمصير) معظم القصص العالمية في المسرح والأفلام الأمريكية في السينما. وتمر الدراما المصرية بحالة (سلخ جلد) واضح منذ أن طلّت المسلسلات التركية بتقنيتها المبهرة وقصصها الآسرة وصورتها الأخاذة. هناك تجارب مصرية اقتربت من حركة كاميرا تركيا إلا أنها ما زالت بعيده عن (التكنيك) العالي للأتراك في كل شئ بدءاً من الوجه وانتهاء بالروح. يسرا اللوزي في مشهد من العمل اختار يحيى الفخراني وبعد غيابه العام الماضي عن الدراما التلفزيونية حينما اكتفى بتقديم مسلسل "قصص النساء في القرآن" والموجه للأطفال، العودة من جديد هذا الموسم ليطل على جمهور الشاشة الصغيرة عبر مسلسله "دهشة"، فبعد النجاح الساحق الذي حققه الفخراني في مسلسل شيخ العرب همام العام قبل الماضي وهو من إخراج ابنه شادي الفخراني وتأليف عبد الرحيم كمال، كرر التجربة مرة أخرى مع فريق عمله نفسه في محاكاة لرواية وليم شكسبير"الملك لير" والتي تقدم حاليا في ثوب الدراما الصعيدية "دهشة" وتحكى قصة رجل طاعن في السن يقرر أن يوزع ثروته على بناته الثلاث وهو على قيد الحياة خوفا من أن يتركها إرثا لإخوته بعد مماته لكنه يكتشف في ما بعد أنه كان مخطئًا في قراره إذ يجد قسوة وجفاء من بناته، الفنان يحيى الفخراني الذي جسد الدور بتلقائية وعفوية تفوق الوصف فعلى ما يبدو أن خبرته السابقة لأدائه هذا الدور في مسرحية الملك لير على المسرح لسنوات كان لها أثر فعال في إخراج طاقته تلفزيونيا وهذا ما جعل أداءه يوصف بالسهل الممتنع كعادة الفخراني، وتعتبر دهشة نقلة نوعية لعدد من الفنانين الشباب الذي انتقاهم الممثل القدير وفريق عمله بعناية مثل الفنانة حنان مطاوع التي ارتدت هذا العام ثوبا جديدا عليها من ناحية الدور وكذلك طريقة الأداء المتقنة، في حين أثنى على أدائها الكثير من المشاهدين والنقاد على الرغم من قلة مشاهدها في العمل وهذا ما يطلق عليه الكيف وليس الكم، فدورها البسيط أحدث دويا وعلامة فارقة في مشوارها الفني. أما الفنان ياسر جلال قدم هو الآخر دورا يستحق التقدير على الرغم من وضعه دائما في قالب الشرير لكنه حاول هذه المرة تقديمه بطريقة سريعة ولافتة حيث عمل على تطوير شخصيته الفنية سريعا حتى يكون بمثابة عنصر جذب للمشاهد في عمل متميز أمام فنان لا يترك هفوة كالفخراني، ولكن هناك ملاحظة في العمل الدرامي والمعروفة نهايته مسبقا. غيّرت المسلسلات التركية من طريقة تصوير المسلسلات العربية. «الاقتصادية» ألم يجد المؤلف عبد الرحيم كمال بعد رائعته الرحايا حجر القلوب للفنان نور الشريف ومسلسل الخواجة عبد القادر للفخراني، قصة جديدة من وحي خياله بعيدة عن المحاكاة أو الاقتباس لعمل قُدم على المسرح من قبل وهل باتت الدراما العربية تعاني الأمرين حتى أصبح كتاب الدراما يستسهلون وضع سيناريو لرواية قديمة بدلا من ثراء الشاشة العربية من وحي خيال الكتاب العرب، ولكن تبقى قصة الملك لير في النهاية تاريخا أدبيا لابد من مشاهدته دراميا لأن الدراما أوسع وأشمل في البحث والتحري وفيها أحداث كثيرة أساسية وأخرى فرعية وأدوار مبشرة وأخرى دخلت قلوب المشاهدين من الحلقة الأولى مثل الفنان نبيل الحلفاوي، فهكذا يكون الكبار في عملهم الفني يحافظون على وزنهم وأعمالهم وينتقون أدوارهم بتأن ويقدمون عملا ودورا قويا ولذلك لابد أن نقول إن "دهشة" كان مميزا بوجود أسماء فنية وقصة درامية هي بالفعل محاكاة ولكنها محملة بعناصر فنية لإقناع المشاهد بالحبكة الدرامية الصعيدية ومخرج واع أخرج من ذاكرة الناس المشاهد المسرحية ليضع المشاهد التلفزيونية المدروسة بعناية ولكن هناك عيب واحد في دهشة ألا وهو المعرفة المسبقة بالنهاية لكل من شاهد المسرحية وقرأ الرواية التي سيستوعبها المشاهدون جميعاً مع التسلسل الدرامي المعروف في الدراما الصعيدية.