في سبتمبر العام 2011 نشرت مجلة التايمز تحقيقاً ساخراً تحت عنوان : أيها المعلمون اتركوا هؤلاء الطلاب وشأنهم، في إشارة إلى الواقع الذي وصل إليه الطلاب في كوريا الجنوبية من إدمان على التعلم إلى الحد الذي أوصل الحكومة إلى تسيير دوريات للبحث عن الطلاب الذين يتعلمون لما بعد العاشرة مساء في المعاهد الخاصة التي تستقطب طلاب التعليم العام وخلال موسم التعليم الدراسي. في كوريا الجنوبية لا يكتفي الطلاب بالتعلم خلال مدارس التعليم العام بل يتجاوزوا ذلك لينخرط أكثر من 74% من الطلاب في معاهد خاصة تحت مسمى هوجنز وفيها يعزز الطلاب من تعلم مهارات ومعارف مختلفة بعضها يتصل بمناهج التعليم وبعضها الآخر لا يتصل فضلاً عن التعلم على مهارات اجتياز اختبار القبول في الجامعات، ويستمرون في التعلم حتى العاشرة مساء وتصل أحياناً حتى الواحدة فجراً. يقول بعض الطلاب في وصف واقعهم إن العمل الوحيد الذي نقوم به وحتى وقت النوم هو التعلم وهو ما يصف واقع إدمان الطلاب على التعلم في كوريا الجنوبية، والسؤال الان ما الذي صنع لديهم هذا الإدمان الإيجابي؟ الشيء الوحيد الذي يقود طلابهم إلى التعلم بهذه الطريقة هو حرصهم على القبول في إحدى الجامعات المرموقه في البلاد حيث إن القبول بها يفتح لهم آفاقاً جديدة، ويعملون على التعلم بهذه الطريقة بالرغم من أن نسبة القبول بها تشكل 14% فقط من إجمالي الطلاب المتقدمين ونسبة عالية من الطلاب غير المقبولين يعاودون الالتحاق بمثل هذه المعاهد مجدداً لمدة عام ويتعلمون بمعلدل 14 ساعة يومياً وينتج عن ذلك تمكن 70% من الطلاب من اجتياز اختبار القبول الجامعي. تسعى مثل هذه المعاهد الخاصة إلى تعزيز التعلم والثقافة في المجتمع الكوري ويدعم مثل هذا التوجه الأسر نفسها، حيث إن العديد من الأسر لا تحتمل مشاهدة أبنائها في المنزل وهم يعلمون أن طلابا آخرين في الفصول المسائية يتعلمون، أي أن الأسر هي المحرك الرئيس لقيادة التعلم في المجتمع، ولا غرابة بعد ذلك عندما تؤمن الأسر بأهمية التعليم وتشاهد العوائد التي يحققها التعليم على وعي أبنائها وفرصهم في الحياة أن تستثمر في تعليم أبنائها بشكل أكبر إذ إن الأسر في كوريا الجنوبية تنفق على تعليم أبنائها 15% أعلى من الأسر في المجتمعات الأخرى، وتصل إلى 25% من دخل بعض الأسر، وهو ما يشير بوضوح إلى دور الأسر في تأسيس ثقافة التعلم في المجتمع، وبالطبع تأسيس مثل هذه الثقافة تحقق للأجيال إنجازات لافتة، كما حدث مع طلاب كوريا الجنوبية أنفسهم في الاختبارات العالمية والتي حققوا تصنيفات متقدمة وكذلك انعكاس تلك الجهود على النمو الاقتصادي في الناتج المحلي الإجمالي والذي وصل إلى 40 % منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الوقت الحاضر وهو ما يعكس أهمية ترسيخ هذا النوع من الإدمان الإيجابي والشغف بالتعلم لدينا والذي سيغير من ثقافة المجتمع واهتماماته والمخاطر المحيطة بالشباب في مختلف المجالات والأهم من كل ذلك يفتح للأجيال آفاقاً عالمية جديدة يستحقها.