اليوم .. يسدل الستار وترفع الأقلام في مونديال الحلم الضائع والفرص المهدرة، هكذا يروق لي تسميته بعد أن غاب المضيف في وقت الأهم وسقطت الرايات البرازيلية وأيما سقوط في ساعة الحسم، ليحمل ميسي ورفاقه مشعل اللاتينيين في موقعة هي الأشد ضراوة والأكثر حساسية للبرغوث الأرجنتيني الذي يمني النفس أن تطأ قدمه ساحة الأساطير، إلا أنه ليس كل ما يتمنى المرء يدركه. فكل الظروف تقول إن المانشافت الأقرب وكل الطرق الألمانية تؤدي إلى الذهب إلا إن ظهر مارد ميسي الذي عهدناه مع البارسا وأطل برأسه في قلب الماركانا هذا المساء. مخطط سابيلا - نجح أليخاندرو سابيلا في العمل بقوة على إحياء رفات التاريخ الأرجنتيني والنهوض به بعد العبث الماردوني في المونديال الأفريقي ونجح بقوة في أن يظهر راقصو التانجو على نحو مرض لعشاقه ومحبيه، ورغم أنه لم يصل إلى الطموح المأمول لكنه خرج بوجه جميل في مونديال صعب وبرهن على أنه قادر على الذهاب بعيدا وهو ما كان حين صمدت دفاعاته أمام طغيان الهجوم الهولندي الضارب الذي عجز عن فك شيفرة الدفاع القوي بقيادة ماسكيرانو ورفاقه، لكن الواقع الجميل يبرهن على أن الحلم معقود بما لا يزيد على 120 دقيقة قد تكتب التاريخ لهذا المدرب وميسي والبقية بعد أكثر من ربع قرن من الجدب والغياب. ثمرة لوف - أكاد أجزم أن يواكيم لوف بخبرته العريقة وهدوئه المعهود هو العراب الحقيقي لهذا الفريق العريق فقد نجح مرة تلو أخرى في أن يتجاوز العقبات بكل «شياكة» وأناقة، فظهر الفريق الألماني على نحو مبهر ليس في هذا المونديال بل منذ مونديال جنوب إفريقيا، ويجير للكتيبة الألمانية أنها متجددة لا ترتهن إلى أسماء بعينها فكل من في الميدان لا يقل ضراوة عن من هم خارجه، فالهدافون موجودون دائما، كما هو الوسط المتخم بالنجوم وصناع الأهداف، ناهيك عن الدفاع الشرس الذي يقف خلفه حارس عظيم هو العملاق مانويل نوير، وجميع هذه العوامل إلى جانب عصارة خبرة يواكيم لوف تقدم خلطة سارية الفائدة تضع الألمان على عتبة التتويج بما نسبته 75 % على الأقل. لحظة الحقيقة يطوي المونديال اليوم صفحته الأخيرة لكنه على غير العادة كان صادما بكل المقاييس لعشاق كرة القدم، وكان المشهد الأبرز فيه سقوط الكبار مبكرا والخروج المذل للمنتخب البرازيلي، وهما مشهدان بكل ما فيهما من قسوة لكنهما برهنا على أن عالم الكرة مشرع على كل الاحتمالات، أشبع الحديث عن هذا السقوط المخجل والوداع المرير للكبار، لكن الجانب المشرق في كل هذا كان تواجد المنتخبات الخارجة عن الترشيحات على نحو رائع وبينها ممثلنا العربي الذي لن ينساه الألمان فترة طويلة، إلا أن منتخبي تشيلي وكوستاريكا هما الأحق بالإشادة وهما اللذان وقفا حجر عثرة في طريق أبطال العالم للنسخ الماضية، وقدما ما عجز عنه فريد ورفاقه أو تشافي وزمرته، وهنا يجب أن نكون أكثر إيمانا بأن مفردات المستحيل لا تفسير لها في قواميس التنافس الرياضي وكرة القدم. 5 نجوم لمع نجوم الحراس في هذا المونديال، وفيما يقترب نوير من حصد اللقب لأفضل حارس لكن الإشادة بتيم هاورد وحارس تشيلي برافو والحارس الجزائري الريس مبولحي فريضة لكل منصف وحيادي، هذا الرباعي كان بحق علامة فارقه مع منتخبات بلاده وله الفضل في بلوغها أدوار متقدمة، فهاورد مثلا سجل رقما قياسيا في التصدي للكرات على مستوى تاريخ المونديال وهو إنجاز أضيف له. أما على مستوى النجوم فقد كان بريق رودريغز محرقا لسواه وتربع على عرش الهدافين بأدء مبهر يضعه في مقدمة الوجوه التي فرضت نفسها بقوة، ولعل دموع الحسرة التي ذرفها لحظة خروج فريقه من المونديال تبرهن على تطلعات هذا النجم الفذ، ورغم وجود أسماء كان لها حضور رائع في مقدمتها ميسي ونيمار ودي ماريا لكنه وقياسا على المنتخب الذي يلعب له برأيي أنه الأحق بزعامة هؤلاء. ختام مسك نجح البرازيليون على كل حال في تجاوز مطبات القلق والمظاهرات التي عمت الشوارع، ورغم أنهم خسروا كثيرا وأهدروا كثيرا لكن ذلك لم يكن يشكل رقما مهما أمام السباعية المذلة والخروج المرير، تبقى لبلاد السيلساو وداع جميل في آخر أيام كأس العالم في نسختها العشرين، لعله يضع بصمة برازيلية جميلة في صفحات المونديال العالمي الذي لطخ حضوره العريق فيه جيل سكولاري الضعيف.