زكي الصدير في منتصف القرن الماضي وحتى أواخر السبعينيات الميلادية جسدت الحركة الناصرية والتيار البعثي المشروع القومي العربي، لا سيما بعد الوحدة السورية المصرية التي تساخر منها الشيوعيون، وكثير من الدينيين، وبعض المثقفين العرب اللا إداريين. وبعيداً عن النتائج التاريخية للحلم «العروبي» فقد كان بين أيدينا موقف واضح قدمته جميع التيارات السياسية حيال فلسطين، القضية العربية الأم التي وقف الجميع أمامها موقفاً إنسانياً بمعزل عن مشاربهم الأيديولوجية. لقد كانت المرحلة تحمل كروموسومات ثورية واضحة، ومواقف جليّة لا تحتمل الضبابية، حتى أولئك المتمترسين خلف «اللا انتماء» كان لهم موقف واضح، أقلّها على المستوى الإنساني. إذاً ماذا حدث؟ وكيف وصلنا إلى عرين الأسد دون أن نحمل بنادقنا؟ كيف أصبحت «فلسطين» تحتمل تأويل الأبيض والأسود والرمادي والأحمر والأصفر، كيف صارت بعد حوالي 40 سنة بألوان قوس قزح؟! لا شك أن التاريخ الحديث حمل معارك فكرية وطائفية في غاية التعقيد، وبدأت الأفلام القصيرة تتحوّل إلى مسلسلات تركية بتفاصيل استخباراتية مملّة جعلت من الهدف الواحد مجموعة أهداف متعددة، حتى سمعنا بأصوات تقول «الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء»، وأصوات أخرى تقول «الطريق إلى فلسطين يمر عبر المنافقين والمرتدين والروافض»، وصوت ثالث معتوه يقول «الطريق إلى غزة يمر من مكة». وضاعت «الطاسة»! لقد وقعنا تحت كماشة من الذرائع التي لا حدّ ولا حصر لها، فتشتتت البوصلة، وتحوّل الحلم العربي إلى كابوس، وما عادت إلى منابرنا وجهة محددة تستطيع من خلالها أن تلملم الفوضى العارمة التي أصيبت بها بعد ربيع الدم العربي. لقد كان مظفر النواب -شفاه الله- دقيقاً جداً حين قال: «أيها الجند، بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة». ولكن، أين تقع القدس على خريطتنا العربية يا أبا عادل؟!