اسمحوا لي في البداية أن أُعرّفكم بنفسي بصفتي القائم بالأعمال الجديد في السفارة البريطانية بالرياض ولا أُخفيكم سرا إذا قلت بأنني متحمس جدا للعمل في المملكة العربية السعودية وسعيد بوصولي إليها قبيل حلول شهر رمضان المبارك فليس هناك أفضل من هذا التوقيت لما له من ميزة خاصة حيث يجتمع أفراد العائلة والأصدقاء حول مائدة الافطار. لقد كانت لي تجارب سابقة مع شهر رمضان في العديد من الدول التي تضم جاليات إسلامية كبيرة مثل ماليزيا والهند، بيد أن الاحتفال بشهر رمضان في المملكة العربية السعودية له نكهة خاصة. كما أنني شهدت رمضان في المملكة المتحدة، لاسيما من خلال موائد الإفطار التي أصبحت جزءا من تقاليدنا حيث إنها تُقام في سائر أنحاء بريطانيا سواء في المساجد أو مراكز الجاليات أو في الحدائق العامة والخيام والتي يتشارك فيها العديد من أبناء مجتمعنا مع إخوانهم وأخواتهم من المسلمين. تدعم الحكومة البريطانية مجددا هذا العام برنامج الإفطار الكبير الذي تقيمه الجاليات المسلمة في أنحاء المملكة المتحدة والذي تفتح فيه أبوابها أمام جميع الناس من كافة الأديان لمشاركتها الطعام والشراب والتعارف خلال الشهر الفضيل. وقد لاحظت أن شهر رمضان في المملكة العربية السعودية هو شهر العبادة والتأمل والتفكر بمن هم أقل حظا من سواهم، إنه وقت تكثر فيه الصدقات والإحسان والأعمال الخيرية التي تعود بالنفع على المجتمع برمته. كما أني لاحظت الأهمية البالغة التي توليها العقيدة الإسلامية للصدقات والأعمال الخيرية، وليس أدل على ذلك من تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ 500 مليون دولار أمريكي لإغاثة المحتاجين في العراق وكذلك التبرع السخي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بمبلغ 39ر1 بليون ريال سعودي لمساعدة المحتاجين في المملكة العربية السعودية خلال الشهر الفضيل. وأنا أعلم ان هذه العطايا ليست سوى غيض من فيض من كرم وجود الشعب السعودي في شهر رمضان. من المحزن أن هناك كثيرًا من الناس يتعذر عليهم الاحتفال برمضان هذا العام مع أصدقائهم وأحبائهم بسبب الفوضى والاضطرابات التي تعصف بالمنطقة. وهذا امر يقلق المواطنين السعوديين والمقيمين في المملكة على حد سواء. يعتبر المسلمون في بريطانيا من اكبر المتبرعين مقارنة بغيرهم من المجموعات الدينية الأخرى. وتتجلى روح العطاء والتبرع على مدار السنة حيث نرى المساجد تتولى إدارة الأندية الرياضية المحلية لصالح لأطفال في مختلف أرجاء بريطانيا و يتم جمع التبرعات بملايين الجنيهات الإسترلينية لإعانة من هم اقل حظا منا في بريطانيا وكذلك الذين يعانون جراء الحروب والمجاعات في العالم. ونحن في بريطانيا نسعى دائما لتعزيز علاقتنا مع العالم الاسلامي. وبما أن بريطانيا تعتبر مركزا دوليا للتمويل منذ عهد بعيد، فقد رأت بأن الوقت المناسب قد حان لإصدار صكوك لأول مرة في 25 يونيو 2014، أي قبل بداية شهر رمضان ببضعة أيام على اعتبار أن ظروف السوق مواتية بحسب رأي وزير المالية البريطاني. وقد جاء إصدار الصكوك تتويجا لجهود وزارة المالية البريطانية لعدة شهور لكي تصبح المملكة المتحدة أول دولة من خارج العالم الإسلامي تصدر صكوكا بريطانية. وما إصدار هذه الصكوك إلا دليل على التزام الحكومة البريطانية بأن تجعل من لندن وبريطانيا مركزا عالميا للتمويل الإسلامي وتأكيد واضح على قيامنا بوضع النظام الضريبي والبيئة التنظيمية الملائمة ليكون التمويل الإسلامي على قدم المساواة مع التمويل التقليدي. وعبر الوصول إلى مجموعة جديدة من المستثمرين، تؤكد الحكومة انفتاح بريطانيا على التعامل مع كافة أجزاء العالم. قوبل إصدار الصكوك بقيمة 200 مليون جنيه إسترليني، وهو الأكبر من نوعه، بطلب كبير وبسعر معدل ربح (عائد) يتماشى مع الأوراق المالية (السندات الحكومية) دون الحاجة إلى إضافة أي تكاليف للإصدار. وقد تم تخصيص الصكوك، التي تستخدم مبدأ صكوك الإجارة (التورق)، لمجموعة واسعة من المستثمرين في جميع مراكز التمويل الإسلامي الرئيسية، بما فيها الشرق الأوسط وآسيا وبريطانيا. أسمحوا لي أن أُهنئكم بحلول شهر رمضان المبارك أينما كنتم، مع تمنياتي الطيبة لكم بصيام مقبول وسط هذه الأجواء المفعمة بالنفحات الروحانية. * القائم بالأعمال البريطاني بالرياض