مثلما كتبت سلسلة بعنوان " رمضانيات" طوال شهر رمضان الماضي أستسمح القرّاء الأعزاء بتناول قضيّة أصبحت هاجساً لدى الكبير والصغير المواطن والمسؤول، داء عُضال ينهش في جسد الأمّة، لا أُبالغ لو وصفتها بالحرب الدائرة التي لم يعلنها عدو صريح (أي واضح العداء). إنها حوادث السيارات وتفرعاتها. قبل أن ابدأ هذه السلسلة التي أهدف من نشرها محاولة المساهمة مع الأجهزة المُختصّة في التخفيف من حدتها فيما لو كانت النوايا حاضرة للتحرّك الجاد. قُلت قبل أن أبدأ أرجو من الزملاء المسؤولين في جهاز المرور سواء في الإدارة العامة أو إدارات المرور الرئيسة في المُدن الكبرى وفي المحافظات ألاّ يعتقدوا بأني في طرحي هذا أعني إدارة بعينها أو مسؤولاً بشخصه. القضية عامّة، تمس أمن وسلامة الإنسان على هذا التراب فيا حبذا لو يتشارك كل من يرى في نفسه القدرة على المساهمة ولو بالرأي لعل في رأيهِ فتحاً لمسالك لم تك مطروقة. ثم لو بدأنا كأفراد بتطبيق القول " لن يتغيّر حال أُمّة ما لم يُفتّش كل فرد فيها عن أخطائه ويعاهد نفسه أولاً بتصحيحها" أعتقد بأنها ستكون أكبر مساهمة فردية لزحزحة المشكلة الرابضة على صدر الوطن نحو الحل. سأتناول في هذه السلسلة كل أمرٍ له علاقة بسلامة المرور ليس الحوادث فقط إذ هي منظومة مترابطة يسند بعضها بعضا كما يؤثر بعضها على البعض في حالة التقصير أو وجود الخلل في التطبيق. سترد تباعاً جملة " الوعي المروري " لكنني لن أركّز عليها كثيراً كما يود البعض أن يدور في فراغها الهُلامي إذ إن الوعي صحيح جزء من المشكلة لكنه ليس كُل المشكلة، ولا أود أن أقع في هذه الحفرة لأن الوقوع فيها يعني الإيمان بتأثيرها المُستبد وعدم تقديم الحلول القابلة للتنفيذ المباشر. من باب أولى أن يكون القارئ على علمٍ بأطراف المشكلة المرورية (الطريق، المركبة، الإنسان، البيئة المحيطة والطقس) لكن الحديث بالتفصيل عن تأثيرها قد يُشتت الذهن عن جوهر المشكلة لهذا سأمرّ مرور الكِرام عليها متى ما كان طرف من تلك الأطراف ضرورياً للحديث عنه، لكنني بنفس الوقت أرى أن السلوك الإنساني وهو جزء تربوي ونفسي أمر هام يؤثر في مساهمة العنصر البشري ( قائد المركبة، الراكب، الماشي، رجل المرور)في وقوع الحوادث، قد يتم الوقوف عنده ملياً والاستعانة بالدراسات والأبحاث التي قام بها علماء النفس والاجتماع حيال هذا الطرف أو العنصر. قبل ختام هذا الجزء من السلسلة أقول إن مشكلة سلامة المرور بشكل عام وحوادث السيارات بشكلٍ خاص قضيّة عالمية تختلف حدتها بين مجتمع وآخر لكننا في مجتمعنا هذا قد نكون للأسف الشديد في صدارة القائمة من حيث عدد القتلى والمصابين قياسا بعدد السكان.