إن الأساس في التواصل هو فتح نافذة على العالم، وفي تقدير الكثير اصبح التواصل إقبالا على الحياة وصيغة معبرة عن الفرد أمام المجتمع، ثم اكتسب مشروعية حضارية من حيث الموقف العام. ولكن بمعنى ومفهوم آخر لم يحقق الشروط المنوطة به، حيث تنازل الناس عن أدوات التواصل التي تربط الفرد بالأسرة، مع الأخذ بالاعتبار أن الناس قديما كانوا أكثر تواصلا ومنطقية وعقلانية وجمالا روحيا، وشفافية، فلم تعد الملاءمة موجودة كما كانت أو كما ينبغي أن تكون، ساحة التكنولوجيا أغلقت ابوابها على العقول وسيطرت على الجزء الأكبر منها، فذهب الأب والأم والأبناء في أرجائها.. لا احد يشعر بوجود الآخر، ليسجل كل فرد حالته إما متاحا أو مشغولا او متوفرا أو حسب اللحظة، وجميعها حالات عصرية وأسلوب لا يحرض على الاندماج والانسجام المعهود بين أجزاء الأسرة الواحدة.. لقد تعلقت أرواح الناس وأذهانها بالأجهزة الذكية وتركت الإحساس العاطفي والشعور بالآخر، وأيضا تخلت عن الغاية من هذا التواصل، فأتى شيء على حساب أشياء أهم، حتى خفَت وميض التأثير وتضاءل النهج من التواد والشفافية بين الأسرة والمجتمع. ويعلم الجميع أن ما يعيشه الفرد منهم ما هو إلا مواكبة فرضها العصر الحديث، وتشكلت عناصرها حسب الإنسان الذي قال عنه: («عبدالرحمن بن خلدون» إن الاجتماع الإنساني ضروري على اعتبار أن الإنسان مدني بطبعه، فالفرد الواحد لا يكفي ذاته بذاته، بل يحتاج إلى الآخرين لتوفير ما يضمن بقاءه وذلك بإنتاج مالا يقدر على إنتاجه هو). وتجدر الإشارة هنا إلى ذلك المنعطف الذي أخذهم إلى نهاية المطاف، وأغلق بوابة البيت القديم، ليفتح لهم آفاقا اوسع في بيت عصري ذي نسيج مختلف، ثم وجدت الناس ذاتها تمتلك تقنيات متطورة ومتنوعة، فأصبحت بمثابة روح لجسد العالم التقني، فعندما يتساوى منطق الوسائل والغايات تزدحم النتائج العكسية، ولا تخدم الهدف من إنشاء مواقع التواصل الاجتماعي، أو تفيد مهارات الاتصال بشيء إذ ترتب على هذا الرهان علاقة عشوائية غير منظمة بين الفرد وذاته وما يريده من الناس ومن منظومة التواصل. إن قوة الحجج في الاتصال ليست في إثبات الاجتماع البشري على أنه مركز الضرورة فحسب إنما لخلق ديمقراطية بين الفرد وبين الأسرة والمجتمع، ولكي تتحرر العقد من العلاقة التي حجر عليها الزمن طويلا، ضمن افكار خاطئة تكبدت مشقتها الذات. إذ يجب على المجتمع اليوم أن يظهر الجانب الإنساني ويعيد بريق التواصل بين الأسرة الواحدة والأقارب والجيران، لأن التقنية وأيدلوجيتها جاءتا على حساب الكثير من العلاقات الأسرية، وأوقفت صيغ الاستمرار، وفتحت قنوات مختلفة، على الجميع استغلالها ايجابيا، ففي هذه الحالة تنشط القدرات والملكات، ما يورث للحياة الجمال والتفاعل والتفاهم. وحري بنا أن نذكر ما جاء به «فيليب بريتون» حول إنكاره عندما قال: «أنجب القرن العشرون بدلاً من ذلك واحداً من التهديدات الأكثر هولاً فقد أثر بقوة على ما يسميه علماء الاجتماع الرباط الاجتماعي، فالعقد المعتمد الذي يربط الناس جميعا قد تقطع في العديد من المرات، بل أوصلهم إلى نمط فوضوي».