استيقظ الشارع السعودي في اول جمعة من رمضان وقبل صلاة الجمعة على اخبار جريمة إرهابية تعرض لها جنود الوطن في منفذ الوديعة، وعلى يد من؟ إنهم مع الأسف الشديد مجموعة من أبناء الوطن المغرر بهم والذين انزلقت اقدامهم تدريجيا في منظومة تكفير واستباحة دماء المسلمين حتى باسم الجهاد. ولعل هذه الصورة الذهنية المؤلمة والمربكة في آن واحد تدعونا لمراجعة المشهد الفكري المحلي. فهل اولينا مثلا الاهتمام الكبير لدعوة أبناء الجاليات عبر بوابة التسامح والمحبة والاخاء والمودة التي نجدها في جذب الآخر للدخول في الإسلام اكثر مما اولينا أبناءنا لتعريفهم بتطبيقات المحبة وحفظ الانفس والأرواح في دينهم بدلا مما يتلقاه أبناء الإسلام عبر بوابة السيف والقتل وإقامة الحد في الشوارع وغيرها من صور بناء الحضارة عبر التدمير. ونستكمل المشهد الناقص عبر بوابة المناصحة لمن وقع في فخ الإرهاب وعقب ارتكاب جرائم التفجير والإرهاب والتكفير عسى ان يعود الى رشده، فيكشف لنا هذا المشهد عن صور إنسانية نبيلة وعن خطوات ناصعة البياض في هذا المجتمع الذي يغلب على الأغلبية الصامتة من اهله حب الخير ونفع المسلمين والتسامح مع المخطئ. فما الذي حدث؟ هذا هو السؤال الذي طرحه اكثر من زميل وكاتب رأي أو محلل او متابع تنظيمي في محاولة فك رموز شفرة التطرف المتضخم فجأة في العراق والشام والبداية الفعلية في "أفغنة" المنطقة. فإثارتهم للسؤال هي تسليط للضوء على اتجاهات الإجابة او مواقع البحث عن الحلول. لن ادخل في ذات النفق الفكري فغيري ممن اعتز برأيهم دخل النفق وحاول اضاءة الشمعة في نهاية هذا النفق المظلم. ولكن سأبحث عن جانب آخر يتمثل في نقطة الضعف في منظومة ثقافة الوعي الديني المسيس والتي أصبحت بوابة العبور الى جماجم الأبناء ويتعرض من خلالها شبابنا الى مصفوفة غسيل مخ باتجاهين ديني ودنيوي، فالانحراف الفكري قد يوازيه انحراف سلوكي في متع دنيوية، وكلاهما يقود المجتمع الى هاوية الانحطاط او التناحر. فلو نظرنا الى خارطتنا في التعامل مع الشباب لوجدنا نقاط الخلل كثيرة، وعندما تجتمع تلقي بظلالها على نظرة الشاب فيسلك احد الطرق الجاذبة من التنفير. فهناك الهارب من الدنيا فيتلقاه جنود التكفير والهارب من وهم القيود فيتلقاه تجار المتعة. وجنود التكفير وتجار المتعة بالمرصاد لهم حتى في اقرب المدن الخليجية. فماذا عن شباب الداخل فهم يتعرضون لهزات وكشف ثغرات يجب ألا تمر مرور الكرام. فلو تتبعنا رصيد المواقف لدى الشباب من نهي بغلظة في الأسواق ونهي بغلظة في المدرسة بل ونهي بغلظة حتى في الشارع. فمثلا، عندما نتعامل مع شاب في نقطة تفتيش روتينية بغلظة وبحجة واهية مثل رفع صوت الراديو والتسجيل في السيارة فماذا أضاف هذا الموقف السلبي في مصفوفة الرفض او الابتعاد. وهنا بيت القصيد في إعادة النظر وبشكل جدي في منظومة الخدمات المقدمة للشباب واحترام ذواتهم ونموهم. ولعلنا نأخذ نماذج الاسر التي تعطي الاحترام لشبابها كيف ينمو ويستقر شبابها في مواقع فخر وتقدم. ونموذج الاسر التي "تهيت" عيالها في الشوارع وما ينتج منهم فيما بعد الا من رحم ربي. أنا ادعو هنا الى تعزيز منظومة القيم واحترام الشاب ليحترم نفسه أولا ويحترم محيطه ووطنه. فالاحترام مسؤولية وواجب حتى لا نترك المجال لمن يصطاد جماجم الشباب المضطربة عقديا او سلوكيا. يقول الرئيس الأميركي الأسبق ابراهام لينكولن "باحترام الذات وعمق ادراك رسالة يمكنك مواجهة كل شيء والصمود امام كل التحديات، وعندئذ سترحب بالمسؤوليات طوال حياتك وتستمتع بها، وستحس معها بنعمة التميز والتفرد" والمسؤولية تزيد بعض الناس عظمة وتزيد البعض الاخر غرورا يستغله لتمجيد الذات وتحطيم ذوات البقية. والنتيجة في بعض جوانبها ذوات محطمة تبحث عن الترميم. فمتقي الشر كفاعل الخير، ومن خاف العقاب انصرف عن السيئات. فما هو العقاب الغائب هنا؟ هو العقاب المتمثل في قيمة الاسرة والمجتمع في عين الفرد. فهي لم تعد كما كانت ولن تعود دون توظيف جديد لعقوبات المجتمع.