اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن فضَّل في الأماكن الحرمين الشريفين على سائر الأماكن، كما فضّل في الأزمنة شهر رمضان المبارك على سائر الشهور، واختصه بفضائل عظيمة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن الكريم، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان)، كما أُنزلت صُحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان. وهو الشهر الذي فرض الله صيامه، لقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، شهر التوبة والمغفرة، وتكفير الذنوب والسيئات، والعتق من النار، وشهر الصبر، والدعاء، والجود والإحسان؛ وهو شهر فيه أفضل الليالي (ليلة القدر) التي أُنزل فيها القرآن الكريم لقوله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وأيضاً لقوله عز وجل (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)، وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين. فضائل جمّة، ومزايا عظيمة في هذا الشهر المبارك، فحري بنا أن نقدره حق قدره، ونغتنم أيامه ولياليه بصالح الأعمال، لعلنا نفوز برضوان الله، فيغفر الله لنا ذنوبنا وييسر لنا أمرنا، ويكتب لنا السعادة في الدنيا والآخرة، ويجعلنا الله ممن يقومون بحق رمضان خير قيام. دخل علينا شهر الصوم هذا العام في طقس حار رطب ومع ذلك تعلو الإيمانيات، فالحمدُ لله الذي بلّغنا شهر القرآن، والطاعات والبركة، سيد الشهور وشهر الخيرات، فيه صلاة التراويح وقيام الليل، واستغفار الملائكة للصائمين، وفرصة للسلام وللوئام، به تسمو النفوس وتُغسل القلوب وتعلو الدعوات، وشهر بشرى وفرحة تزيد وتربو، يُسبّح له القلب وتُدمع له العين ويلهج اللسان، شهر يعظمه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وينتظرون قدومه كل عام ويعرفون فضله، يطل يحمل في طياته الخير العميم، فأوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فما إن اقترب تنبري جميع وسائل الإعلام المختلفة للحديث عن فضله وأحكامه وتفرد لذلك مساحات واسعة من برامجها المتعددة. شهرٌ مبارك يعيشه المصلون والعُمّار والزوار أجواء روحانية مفعمة بالإيمان ومضمخة باليقين، وأياماً جميلة في رحاب الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة بين تراويح وعمرة وزيارة وتلاوة للقرآن الكريم في ظل خدمات جليلة وجهود كبيرة وتنظيمات رائعة وفرتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للأهالي والمقيمين والزوار والعُمّار وهي تسعى بجميع أجهزتها على تسهيل مهام ملايين المعتمرين والزائرين والطائفين والعاكفين والركع السجود من أنحاء المعمورة ومن كل فج عميق والذين تتعلق قلوبهم بهذه البقاع الطاهرة . الصيام فريضة تتميز بأنها عبادة صافية من الرياء ومدرسة روحية مجانية، وسرٌ بين العبد وربه، وعلينا أن نداوم على العبادة والطاعة والتحلي بأخلاق المسلمين في رمضان وكل الشهور والأزمان (رَبُّ رمضان هو رَبُّ شعبان وشوال وبقية الشهور)، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً للأجر والثواب عند الله، غفر له ما تقدم من ذنبه. وليحرص الناس في هذا الشهر المبارك على عمارة لياليه بصلاة التراويح والتهجد لتملأ القلوب خشوعاً وبهجة بسلاسة القراءة وبساطة الدعاء الخارج من القلب. نتمنى في هذا الشهر العظيم من المتخاصمين من الأهل والأقارب أن يعززوا صلة رحمهم وينبذوا خلافاتهم الشخصية. ومن العاملين موظفين وغيرهم الاستفادة من بركات هذا الشهر العظيم بالجد والعمل في هذا الشهر فلم يكن هذا الشهر للكسل والتكاسل وتعطيل المصالح، كما نرجو من القائمين على خدمة الزوار والمعتمرين التحلي بأعلى درجات ضبط النفس والتأدب في بيت الله الحرام بأفضل وأجمل الأخلاق، ونأمل من غيرهم وغيرهم ومنا جميعاً... الهدوء، وضبط الأعصاب، وتقوى الله احتراماً لهذا الشهر المعظم. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لصيامه وقيامه كما يحب ويرضى، ويجعلنا فيه من السعداء المقبولين الفائزين بالرضا والرضوان، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وكل رمضان والقراء الأفاضل وأهلهم وأحبابهم والجميع بخير ومحبة. amohorjy@kau.edu.sa amohorjy@kau.edu.sa للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (63) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain