لو سطرت جملة من الأولويات في قائمة مئوية، وطلبت من عينة عشوائية تعيد ترتيبها حسب أولوية أهميتها بالنسبة لهم، لاحتل الأمن الدرجة الأولى فيها، وهذا أمر بدهي، فلا طعم للحياة، ولا هنأة فيها، ولا قيمة لكل المتع، إذا لم تكن ظلال الأمن وارفة تجلل النفوس طمأنينة، وتكسوها راحة واستقرارا، لا طعم للحياة والنفوس مضطربة، لا راحة بال والعقول مشغولة بما هو آت، والنفوس متوترة تنتظر ما تخاف منه، فالخوف يجعل صاحبه دائما يتوجس، مهموم مغموم بالمصير المجهول الذي ينتظر حصوله، فكل دقيقة تمضي يصاحبها الكثير من الألم. الأمن سيد النعم كلها، وتاج رأسها وفخرها، نعم، كثيرة بالإمكان التنازل عنها، بالإمكان تقليصها، بالإمكان تأجيلها، بالإمكان الاستغناء عنها، أما نعمة الأمن مما نخاف، فخط أحمر، لا يقبل المساومة، ولا يتحمل الغفلة والتغافل عن المواطن والأسباب التي تفضي إلى زعزعته، أو فتح المجال لمغامر أو معتوه أو متنطع أو ضال، أن يجد له مدخلا لاختطاف هذه النعمة ونزعها من مواطنها ومن نفوس الناس، مهما كانت مسوغاته. ومصداقا لهذا اقرأوا قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} الآية 126 سورة البقرة، في دعوة إبراهيم قدم نعمة الأمن على نعمة الرزق، فالأمن يجلب الرزق، ويجعل للرزق قيمة ولذة، عدا هذا فمهما بلغ الرزق مبلغه فلن تجد النفوس فيه لذة وهنأة، لأن التوجس والترقب والتوتر والخوف من الآتي المجهول، يحرم النفس من التمتع بملذات الرزق قل أو كثر. في السنوات الأخيرة، ظهرت في (العراق والشام) جرثومة بغيضة كريهة في مظهرها المتنكر باللثام، وجوهرها المخادع بالإسلام، إنها «داعش»، هذه الجرثومة إحدى صور ما أطلقت عليه كوندوليزا رايس عام 2005 م، الفوضى الخلاقة، وداعش من أخطر صور تلك الفوضى التي رتب لها وخطط، ولكن ومع خطورتها المتمثلة في ممارساتها البشعة المخالفة للشرع والعقل والمنطق، في المصادر الشرعية المعتبرة، زاد معرفي يكشف عورها وزيفها، وضلالها وانحرافها عن شرع الله المبين في القرآن وفي السنة المطهرة، فقد أنبأنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء، وأخبرنا بأحاديث قطعية الدلالة عن حقيقة هؤلاء الضالين المضلين. ففي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج قوم آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة). وفي سنن النسائي عن أبي برزة قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال، فقسمه، فأعطى من عن يمينه، وأعطى من عن شماله، ولم يعط من وراءه شيئا، فقام رجل من ورائه فقال: يا محمد ! ما عدلت في القسمة، ـ رجل أسود مطموم الشعر عليه ثوبان أبيضان ـ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وقال: والله ! لا تجدون بعدي رجلا هو أعدل مني، ثم قال: يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليقة. لقد أنشدوا طربا بهيمنتهم على بلاد الشام والعراق، ويتوعدون مستبشرين بالخروج إلى بلاد الجزيرة العربية، شاهت الوجوه وخابت، فدونهم ودون هذاءاتهم خرط القتاد، فبلاد الجزيرة العربية محروسة بحول الله وقوته بسواعد أبطالها، وتكاتف أبنائها حول قادتها. ومع هذا لعل رابطة العالم الإسلامي تبادر إلى عقد مؤتمر يعري البنية الفكرية المنحرفة لهذه الفرقة الخارجة، وأن تبادر منظمة التعاون الإسلامي إلى عقد مؤتمر يعري الممارسات البشعة لهذه الفرقة الناشزة عن الدين، ليكون أبناء المسلمين خاصة، والعالم على علم بحقيقة هذه الفرقة التي أخبر الرسول بضلالها ووجوب مقاتلها.