لقد استشعرت الحكومة السعودية بشكل لافت الأحداث العراقية الأخيرة المفاجئة، وخصوصاً أن لها حدوداً مشتركة من الجهة الشرقية مع العراق تمتد إلى أكثر من 814 كلم، وهي حدود طويلة جداً تتطلب جهوداً حثيثة في مراقبتها من عمليات التسلل والتهريب وغير ذلك, أن السعودية جزء من هذا العالم ولها الحق كل الحق أن تستشعر وتردع كل من يحاول المساس بحدودها بغية تصدير الأزمات في العمق السعودي، وقد تجلى ذلك واضحاً من خلال اتهامات كاذبة ومباهتة تطال السعودية بدعمها للأزمة العراقية وهي محاولات اليائسين لإبعاد الفشل عن ذاتهم والبحث عن شماعة أخطاء ليس لها وجود إلا في عقولهم، والأحداث العراقية المتلاحقة ليست بالبسيطة على الإطلاق؛ خصوصاً أنها تشهد إشكالات طائفية فظيعة وتجاذباً وتنافراً بين عدد كبير من العشائر العراقية من الشمال إلى الجنوب إضافة إلى تواجد (داعش) بأعداد ليست بالسهلة داخل العمق العراقي، أن المملكة تتابع باهتمام وقلق بالغين الأوضاع التي تعصف بالعراق حرصاً على الأراضي السعودية إضافة إلى حرصها بالانتقال بالعراق إلى الحالة الأكثر أمناً واستقراراً، والقلق هنا هو من دواعي ترسيخ الأمن الحدودي مع العراق. إن الأحداث التي تعصف بالمنطقة العربية هذه الأيام ليست بالسهلة على الإطلاق، وستعمل بالمستقبل إلى تغير جيوسياسي في بعض الدول العربية وستعمل إلى تحالفات إقليمية وسياسية واقتصادية وعسكرية جديدة على الساحة العربية، كل هذا الجو الهائل من الأحداث المتلاحقة التي تطور بشكل كبير ومفاجئ بكل أربع وعشرين ساعة كان لابد من تجهيز منظومة دفاع سياسية أمنية عسكرية اقتصادية تعمل إلى مزيد من ترسيخ القواعد الداخلية للدولة بشكل أكثر فعالية وأكثر استقراراً، وهذه هي السياسة الحكيمة التي اتبعها خادم الحرمين الشريفين وهي مطابقة الموصوف لمقتضى الحال أي مرونة التشكيل القيادي السياسي والأمني المتوافق مع طبيعة المتغيرات الجذرية والإستراتيجية التي تمر بها المنطقة العربية والشرق الأوسط، إضافة إلى تغيرات المواقف الدولية من الأحداث في العالم العربي. فبالحدود الجنوبية هناك خطر الحوثيين التي تصدت لهم القوات المسلحة السعودية منذ سنوات مضت بكل عزيمة واقتدار أذهلتهم في مواقعهم وأربكت صفوفهم إلا أن خطرهم مازال قائماً في العمق اليمني الذي يتطلب يقظة هائلة في المناطق الحدودية المشتركة ناهيك عن المحاولات الدائمة للتهريب عبر اليمن إلى السعودية إضافة إلى الحراك الجنوبي المسلح المطالب بالانفصال عن اليمن إلا أنه قد لا يشكل خطراً مباشراً على السعودية لكن يتطلب عيونا يقظة في الحدود الجنوبية. أما عن الحدود الغربية لعل البحر الأحمر وقف عائقاً أمام الأزمات التي تعصف بالسودان وبعض التحركات الإرهابية في مصر بسيناء لكن تصدير الإرهاب لن يعيقه حتى البحر,ولموقف المملكة الرائع مع مصر بالفترة الأخيرة بتقديم الدعم السياسي والاقتصادي لمصر بعد الانتخابات وذلك بغية ترسيخ الاستقرار في مصر مما يعكس حالة من الهدوء على الحدود البحرية مع مصر وكذلك حرص المملكة على ترسيخ الأمن والاستقرار بدول العالمي الإسلامي والعربي وخاصة دول الجوار. وقد تكون الحدود الشمالية مع الأردن هي من أكثر الحدود البرية استقراراً إضافة إلى الحدود المشتركة مع دول الخليج العربي. فالمملكة لها ثقل سياسي اقتصادي كبير يؤثر بالعالم أجمع، وللثقل الديني المقدمة بحكم مكة المكرمة والمدينة المنورة ولا بد هنا من ذكر الأعداد الهائلة المتوافدة على المملكة لأداء الحج والعمرة بمختلف مذاهبهم ومعتقداتهم وخاصة أن بعضهم يأتون من مناطق ملتهبة بالصراعات, قد يكون مشحونين أو معبأة عقولهم وقلوبهم بأفكار تطرفية. إن تضافر العمل الحكومي بين كافة الوزارات وخاصة بين وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والإعلام هو الحاجز المنيع بوجه الراغبين بتصدير أزماتهم للعمق السعودي إضافة إلى التوعية في الداخل السعودي للمواطنين والمقيمين، لكن هذه المتغيرات من حول المملكة قد يتطلب أيضاً إلى إعادة توجيه للصرف المالي لدعم الدرع العسكري والأمني لحماية المملكة من الحدود إلى الحدود. ومع تقوية الجبهة الداخلية فهذا سينعكس مباشرة وبدون تأخير على الوضع الخارجي للدولة بشكل أكثر قوة وأكثر رسوخاً مما يعرقل أية محاولات عقيمة لتصدير أزمة أو إيجاد أزمة والعبث بمقدرات وكوادر الوطن. إن سياسة الردع التي اتخذتها المملكة جعلت من يفكر بأذى المملكة يفكر ألف مرة، ومن يتقدم خطوة شيطانية نحو الحدود جعلته يتراجع آلاف الخطوات. فإذا رأيتم نيوب الليث بارزة... فلا تظنن أن الليث يبتسم.