العدالة عمياء، ولنحو عشر دقائق يوم الأربعاء الماضي كانت صماء وبكماء أيضا. جلس أحمد أبو ختالة، المتهم بتدبير هجمات بنغازي، على طاولته في جلسة احتجازه ووضع سماعة الرأس. ولكن ما إن بدأت الإجراءات حتى قال الإرهابي المتهم إنه لا يسمع الترجمة من الإنجليزية إلى العربية. وأخذ المترجم يحاول قائلا: «واحد اثنان.. واحد اثنان»، وهو رجل صغير الحجم له حواجب كثة، يجلس على طاولة خلف أبو ختالة. وسألت المحامية العامة ميشيل بيترسون المترجم: «هل تتحدث الإنجليزية؟»، فأجاب المترجم باللغة الإنجليزية: «أنا أتحدث العربية». وذهب كاتب ليتحقق من الأمر. وبدت تكشيرة قلق على وجه القاضية ديبورا روبنسون، وقالت: «سنبدأ بمجرد حل هذه المشكلة». وخلال الدقائق التي تلت ذلك، عبث المحامون والكتبة والمترجم والمتهم الليبي بأجهزة الصوت. وكان هناك الكثير من هز الرؤوس والضغط على الأزرار على مقصورة الترجمة. «السيدة بيترسون. حرك سماعته للاتجاه الآخر.. الصوت عالٍ للغاية. واحد اثنان واحد اثنان... القناة 2 فقط هي التي تعمل.. فلأجربها بطريقتي.. واحد اثنان واحد اثنان ثلاثة». ورفعت مساعدة القاضية الهاتف وقالت: «انجليز هل يمكنك أن تأتي إلى القاعة 4؟ قد نحتاج بعض المساعدة في أجهزة الترجمة». قد يعتقد من يفضلون إرسال أبو ختالة إلى غوانتانامو أن مشكلة الترجمة تثبت حجتهم. ولكن الإجراءات يوم الأربعاء في المحكمة الأميركية الابتدائية - المراحل الأولى لقضية إرهاب كبيرة تجري محاكمتها في العاصمة - أوضحت أيضا الحقيقة بشأن المحاكم المدنية. كان بوسع المتهم أن يرى أن هناك فريقا قانونيا يمثله؛ بيترسون ومساعدتها، سيدة أيضا، تطعن بقوة في الدعوى الحكومية. كما كان بوسعه أن يسمع القاضية وهي تتأكد أنه فهم حقوقه، وأن يسمع المدعين يؤكدون للقاضية أنهم سيطلعون الدفاع على الأدلة التي لديهم ضد أبو ختالة. ومن المهم أن بإمكان العالم أن يرى (أو يعرف ممن هم داخل قاعة المحكمة ويبثون من خلال خمس شاحنات عليها أطباق فضائية تقف خارج مبنى المحكمة) أن السجين يُعامل بكرامة، فهو يجلس من دون أصفاد، وطلب وجبة من الطعام الحلال من خلال محاميته، ومصحفا باللغة العربية. وكانت تلك معاملة أفضل بكثير مما عومل به الأميركان الأربعة، الذين قتلوا في 11 سبتمبر (أيلول) 2012، في الهجوم الذي يُقال إن أبو ختالة نظمه. وكانت الأبواب مغلقة في المدخل الرئيس لشارع «كونستيتيوشن أفنيو» على بعد مبان قليلة من مبنى الكابيتول. وكان اثنان من الجنود المسلحين بالمسدسات والمدافع الرشاشة يقومان بدورية قرب تمثال السير ويليام بلاكستون. وكانت القاعة في الجلسة المفتوحة للجمهور مكتظة بالحضور بفضل المتدربين من مكاتب المحاماة والكتبة الذين جاءوا كسياح لحضور محاكمة إرهابية، وبعض المتفرجين الذين وجهوا إلى غرفة تفيض بالزحام. دخل أبو ختالة، يقوده اثنان من الحراس ضخام الجثة يرتديان زيا رسميا، وكان يرتدي زي السجن أخضر اللون، وكتب على ظهر بدلته بحروف باهتة «سجين». وبدا بشعره الأشيب ولحيته غير المرتبة وكأنه أكبر بعقدين عن عمره (43 عاما). وكان أبو ختالة مشتت الانتباه في ظهوره الأول خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكن بدا أنه يتابع إجراءات المحاكمة بانتباه. وسرد مساعد المدعي العام الأميركي مايكل ديلورينزو، وهو أحد المدعين الخمسة على طاولة الادعاء الأحداث المأساوية عام 2012، وقال: «أطلقوا نيران أسلحتهم، وأشعلوا النار في المبنى، وأدى ذلك إلى مقتل السفير كريستوفر ستيفنس ومسؤول المعلومات سين سميث». ثم وصف ديلورينزو الهجوم بمدافع الهاون الذي أدى إلى مقتل غلين دوهيرتي وتايرون وودز. وذكر ديلورينزو بشيء من الاستخفاف أن «تاريخ وشخصية المتهم» وكونه (قائد لميليشيا مسلحة هي منظمة إرهابية) تأتي ضد إطلاق سراحه. ولم تناقض بيترسون ذلك.. «نتفق أن احتجازه مناسب في هذا الوقت». لكن بيترسون التي كانت ترتدي سترة بلون وردي فاقع، سبقت موافقتها تلك بدفاع متحمس عن موكلها. وقالت: «هناك غياب تام لأدلة على تورط أبو ختالة» في الهجمات، وشكت من عدم كشف حقائق. بل إن بيترسون حاولت الدفاع حتى عن شخصية أبو ختالة، وقالت: «قضى عقدا من الزمن وهو يقاتل ضد نظام القذافي، وقضى عدة سنوات في السجن نتيجة لذلك»، وردا على ادعاء المدعي بأن أبو ختالة وجد مسلحا قالت: «هناك شيء من المبالغة في الاعتقاد بأن شخصا مسلحا في ليبيا له علاقة بشخص مسلح في واشنطن»، وأضافت أنه يجب عدم السماح للمدعين بوصف أبو ختالة «خطرا» في مرأى المحلفين المنتظرين. ربما كان ذلك أكثر مما يستحقه الإرهابي المتهم، ولكن ما الذي يستحقه بالضبط في نظام العدالة الأميركي؟ وحتى نظام الصوت عمل في النهاية. وعندما نهض أبو ختالة ليغادر قاعة المحكمة، ذكره أحد حراسه بأن عليه أن يخلع سماعة الصوت من رأسه أولا. * خدمة «واشنطن بوست»