لماذا لم تعد صورة الطفل الفلسطيني تثير فينا أو فيكم أو فيهم أي شفقة؟! الإجابة تعكس إلى أي مدى وصلنا في تعاملنا أو إحساسنا بالقضية الفلسطينية، أو بما يجرى الآن في غزة، وإنما في إحساس أفراد الأمة الواحدة والدولة الواحدة ببعضهم البعض! لماذا لم تعد مشاهد وروايات الاغتصاب والتعذيب في السجون الإسرائيلية تثير أي نخوة عربية أو أي غضبة إسلامية إلا ما ندر؟! لأنك تتابعها الآن وأحيانًا على الهواء في أكثر من عاصمة عربية.. ليس ضد معتقلين يهود وإسرائيليين وإنما ضد معتقلين عرب ومسلمين! لماذا لم تعد تهولنا مناظر الدماء في قرى ومدن فلسطين؟ والإجابة هنا أسهل: لأننا نراها كل يوم وليلة تُسال في قرانا ومدننا وعواصمنا العربية على يد نفر من أبنائنا، بل بيننا وبين بعضنا! وماذا عن انتهاك الأرض في فلسطين وفي الجولان وفي لبنان وفي العراق وفي غيرها؟ الإجابة أسهل وأسهل: لأننا نتابع انتهاك العرض وليس فقط الأرض في أكثر من مكان عربي وعلى يد عرب فيما بينهم وبين بعضهم! وماذا عن كرامة الوطن؟! قل إنها أُهدرت منذ زمن! وماذا عن الحرية والعدالة وكل القيم الإنسانية؟! قل إنها ذُبحت جهارًا نهارًا وانضمت إلى قائمة المحن! لماذا تذهب بعيدًا؟! أنت في السابق وفي رمضان -كل رمضان- بل كل رجب وشعبان والمحرم وصفر كنت تدعو لنصرة فلسطين والمسجد الأقصى.. فيما تدعو اليوم لنصرة المحاصرين في العديد من الدول! كنت تدعو لنصرة المظلومين وهلاك الظالمين.. أنت الآن تسمعها أو تسمعه ليس ضد الصهاينة المجرمين، وإنما ضد ظالمين عرب ومسلمين، ولصالح مظلومين عرب ومسلمين! لذلك كله وأكثر منه تُضرب غزة.. تُقصف غزة.. تُذبح غزة دون أن تجد من يخفق قلبه أو يتألم أو يدمى من فرط الجراح والسهام التي صوبت نحوه عربيًا وعربيًا وعربيًاًَ! في كل مدينة وقرية عربية في العديد من الدول العربية مئات بل آلاف من محمد الدرة.. بل عشرات ومئات من أحمد ياسين نفسه! بل عشرات من غزة! تصور!! في السابق كنت تبكي أثناء مرور جنازة فلسطينية لشاب أو لشيخ أو لطفل أو لأسرة قتلت أثناء النوم أو أثناء تناول الطعام.. أنت الآن تشاهد عشرات بل مئات الجنازات لأسر عربية تُقتل أو تُذبح أثناء القيام ليلاً أو الصيام نهارًا! أي جنازات تبكي عليها؛ وقد أصبحت بعض المدن والأحياء العربية جنازات، ومأساتها روايات وحكايات؟! كنت في السابق تحصي أعداد المعتقلين في الأرض المحتلة، وتتذكر البرغوثي وغيره من قدامى المعتقلين دفاعًا عن الأرض.. أنت الآن مشغول أو منهمك أو مكلوم بأعداد المعتقلين العرب في المدن العربية دفاعًا عن العرض! في السابق وعلى الإفطار كانت عينك تدمع إذا فتحت التليفزيون ورأيت طفلًا فلسطينيًا قتيلًا على يد القوات الإسرائيلية أنت تأكل الآن وتبسمل على مشاهد الدم وأصوات الطلقات في المدن والقرى العربية، كنت تتذكر بأسى وفخر جنودك البواسل وهم يسهرون على الحدود دفاعًا عن أرضك.. الآن تراهم يستعدون بل يضربون في جيوش «حرة» وجيوش «نصرة» وجيوش «أجناد».. وكلها في بعضها جيوش عربية.. انهمكت أو انغمست دون إرادتها في الدماء العربية.. لذلك كله وأكثر منه تُقصف غزة.. تُذبح غزة! في السابق كانوا يقيمون مسابقات؛ ويرصدون جوائز للشباب، وللأجيال الطالعة تكتب عن القدس والمسجد الأقصى وصمود غزة.. والآن يروجون لمسابقات كبرى.. جائزتها الكبرى أن يجد الفتى العربي اسمه على قارورة مياه غازية! لذلك كله وأكثر منه تُقصف غزة.. تُذبح غزة.. لا فرق!!. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain