في نهاية يوم الصيام يشعر البعض بحالة نفسية غريبة يفسرها البعض أنها بتأثير الصيام على الجسم بحيث تجعله متوتراً بسبب الجوع أو العطش، ولهذا يفسر البعض حديث (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن سابه أحد أو خاصمه فليقل إني صائم، إني صائم) بأن الأصل أن يحدث تغيير سلبي في نفسية الصائم، وهذا غير صحيح، ولكن ما سبب هذا التغير الذي يشعر به البعض بالذات مع نهاية يوم الصيام؟ عندما يصوم الإنسان فإن جسمه يستخدم السكر الموجود في الدم الذي يسمى الجلوكوز أولا لإنتاج الطاقة فهو المخزون الأول، فإذا قل عن معدله الطبيعي يبدأ الجسم بأخذ الناقص من الكبد أو العضلات حيث يخزن فيهما على هيئة مركزة (الجليكوجين)، فإذا نقص هذا أيضا عن معدله الطبيعي يبدأ الجسم في هدم الدهون المخزنة ليأخذ منها الطاقة. في أول أيام الصيام لا نشعر بالنقص في سكر الدم لأن المخزون يكون كافياً، ولكن في الأيام التالية نبدأ بالشعور بالنقص فيه الطاقة بالذات نهاية كل يوم مما يجعلنا نشعر بالإجهاد أو التعب أحياناً ثم بسبب تغيرات هرمونية لها علاقة بعمليات الأيض. أرأيتم ماذا يحدث للمسجل الذي يعمل بالبطارية عندما تكون ضعيفة، إن مصدر الطاقة عندما يضعف يجعل الجهاز لا يعمل بشكل طبيعي. من ضمن أجهزة أجسامنا التي تتأثر بالنقص في الطاقة: الجهاز العصبي، فلا يعود يعمل بطاقته الكاملة، لهذا قد لا يتحمل البعض ذلك النقص وقد يحس بالدوار أو الدوخة، أو على الأقل لا يستطيع أن يضبط رد فعله جيداً، أو حسب تعبيرنا يفقد أعصابه، فإذا سابه أحد أو شاتمه وتبادل كل منهما الجدال مع صاحبه قد يبدر من أحدهما رد لا يقصده، ولكنه عجز عن التحكم في أعصابه، لهذا كان العلاج النبوي بتجنب الخلاف قبل حدوث المشكلة وتذكير الشخص المقابل بأنه صائم. وقد اطلعت على أبحاث نتائجها عجيبة في تأثير الصيام على ضبط النفس وحاولت ربطها بهذا الحديث وتبين لي أن الصائم إذا غضب أوانفعل وتوتر ازداد إفراز هرمون الأدرينالين في الدم ومهمته تسريع حرق الجليكوجين في الكبد والعضلات لتوفير طاقة لمواجة العدو سواء كان عدوا حقيقيا أو توترا، وبهذا تُستهلك الطاقة بغير ترشيد ويُفقد بعضُ الجلوكوز مع البول إن زاد عن المعدل الطبيعي، وبالتالي يفقد الجسم كميةً من الطاقة الحيوية الهامة في غير فائدة تعود عليه، وبعد انتهاء المخزون من الجليوكوجين يضطر الجسم الى هدم الدهون لانتاج الطاقة من الأحماض الدهنية وقد تؤدي إلى تولد الأجسام الكيتونية الضارة في الدم، فتكون نتيجة التوتر أن فقد الجسم طاقة مخزنة بلا فائدة وانتج مواد سامة ضارة بالجسم، ولهذا كان التوجيه الكريم بالبعد عن مواطن أو مسببات التوتر والغضب للمحافظة على طاقة الجسم في مكانها الصحيح. إن تذكر أننا في عبادة يجعلنا نتحمل ونتذكر الأجر والمثوبة، وإذا تذكرنا الحديث يجعلنا نبتعد عن مواطن الخلاف المؤدي إلى الشقاق، وقبل هذا وبعده نتعلم في هذا الشهر كيف نضبط مشاعرنا، فمن ضمن فوائد هذه المناسبة العظيمة أنه دورة تدريبية رائعة لتغيير بعض النقائص لدينا لمن استغلها.. إن هذه المشكلة الوظيفية داخل الجسم ليست سلبية، وإنما أفهم منها أنها فرصة تدريبية لضبط المشاعر السلبية تجاه الآخرين في وضع أصعب من الحالة الطبيعية، فإن نجحنا فيه سيكون الوضع أسهل في الضبط عندما لا نكون صائمين، وهنا يتميز من أخلص عمله وجوارحه لله، ومن كان لديه بعض الضعف فليتداركه. مما يؤسف له أن تجد بعض الناس يفترض أن الأصل لدى الصائم أن يكون عابس مقطب الجبين لا يكلم أحداً ولا يبتسم في وجه أحد، لهذا يفترض الحلول الأسوأ في حين أنه ثبت أن الجوع يعلم الصبر والرفق بالآخرين.