أول ما تبادر إلى ذهني عندما قرأت خبر تقديم المملكة مساعدة للشعب العراقي تبلغ نحو ملياري ريال هو الموقف الإنساني الكبير للمملكة بعد حرب تحرير الكويت، عندما استضافت الشيعة العراقيين الذين هربوا من العقاب بعد انتفاضتهم التي تلت الحرب. فتحت المملكة حدودها وقدمت الطعام والمسكن والتعليم حتى المستوى الجامعي، منحت مصروفا لكل لاجئ وقدمت الملابس والخدمات لدرجة أن بعضهم فضل البقاء في مخيمات اللاجئين حتى عام 2006. اللافت في تلك القضية أن من عاشوا في المخيمات لم يكونوا من سنة العراق وعشائره التي تنتفض اليوم على الطائفية، بل كانوا من الشيعة الذين وصل بعضهم لمواقع قيادية في الدولة العراقية الجديدة. لم تفرض عليهم السعودية تغيير مفاهيمهم أو عقيدتهم أو طقوسهم، إنما قامت بكل هذا لأهداف إنسانية. جاء قرار خادم الحرمين الشريفين بتقديم المساعدة الإنسانية كجزء من هذا المفهوم والمبدأ والرسالة التي تقدم المعونة للمنكوبين دون النظر إلى جنسهم أو لونهم أو مذهبهم. أكد ذلك البيان الذي صدر ليُعلِّم الكثيرين ممن أعمتهم الطائفية أن المملكة هي أول أعداء الطائفية التي تحولت إلى تصنيف مقيت وقتل ممنهج مبني على الاختلاف لا الاتفاق. يتحدث كثير من قادة العراق السياسيين بنفس طائفي سيدمر مكونات نجاح الدولة ليحيلها خبرا بعد عين. يتحدثون بلهجة تقصي الآخر، بل تحرمه من حقه في الحياة بناء على فتاوى ومفاهيم تكفيرية عانى تبعاتها العراق خلال تاريخه الطويل. أرجو أن تفتح فكرة العون للشعب العراقي بجميع شرائحه ومذاهبه عيون السياسيين الذين يكتبون اليوم مستقبل الدولة، ليشاهدوا الكم الهائل من العداء والكراهية التي أنتجتها الطائفية خلال عشر سنوات شداد، أكلت الأخضر واليابس. تفتح عقولهم ليدركوا خطورة المرحلة التي يعيشها العراق اليوم وهو ينقسم على نفسه ويتبادل ممثلوه في البرلمان التجريم، ويهاجمون ويتوعدون أبناء شعبهم بالويل والثبور وعظائم الأمور. تحتاج المرحلة إلى قيادات منفتحة بعيدة عن الفتاوى التكفيرية والخزعبلات التي ينشرها من يظنون أنهم بعثوا رسلاً لتحرير مذهب وقتل كل من ينتمي لمذهب آخر. قيادات تعلم أن الأيام القادمة تمنحهم الفرصة الأخيرة لإبقاء العراق موحدا بدل أن يتحول إلى دويلات تحاول كل واحدة قتل الأخرى في مشهد يسخر منه كل العالم.