×
محافظة المدينة المنورة

بلدية بدر تدعو 446 مواطنًا لاستلام أراضيهم

صورة الخبر

لا حيرة تشبه حيرة عقولنا في هذه الأيام؛ فكل ما حولنا "دراماتيكي" بامتياز، ولعل البيعة الداعشية أكثر الأحداث غرابة، إذ بايع الداعشيون من لا يعرف بعضهم عنه سوى اسمه الذي تضمن صفاته، متوهمين أنهم قد أقاموا دولة حقيقية، بينما الواقع أنهم توهموا قيام دولة، ثم ساروا في الوهم إلى المدى الأبعد، فذهبوا يزركشون الحلم بحلية ماضوية ليست من العصر، وذلك مبلغ علمهم، لكن المأساة تكمن في وجود معجبين ومؤيدين يرون فيهم الأمل، ويكبر حجم المأساة حين نجد بين هؤلاء المؤيدين بعض المتخصصين في العلم الشرعي – إن كانوا كذلك ـ ثم يصبح حجم المأساة ضخما عندما يطلب منهم أحد الوعاظ أن يمارسوا القتل سرا، عوضا عن تصويره ونشره، وكأنه يبيح الفوضوية الدموية، ولا يبيح نشرها من أجل صورة القتلة في عيون العالمين!. إنها المفارقات التي يدرك ذوو العقول السليمة أنها تتناقض مع أيسر مبادئ الدين العظيم، الذي كانت صفاته البارزة هي: السماحة، واليسر، والتسامح، وجاء به المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق صلى الله عليه وسلم، لكن المآرب السرية، تقود أصحابها إلى الخلط والخطل والافتئات باسم الدين، وتلك هي الدرجة السفلى من التجني على الدين نفسه. تزداد الحيرة عندما يتحول الدين العظيم إلى مكيالين غير متوازنين، فيصبح ظهور الدعاة في إحدى القنوات الفضائية المعروفة بانفتاحها "على الآخر" مطلوبا؛ لأن جمهورها أكبر من جمهور القنوات المحافظة، بينما تتحتم مقاطعة قناة أخرى؛ لأنها ـ في الظاهر ـ تعرض ما يتعارض مع القيم، ويخدش الذوق، ويحرمه الدين، بينما الحقيقية أن جنايتها الوحيدة هي عدم ظهور أحد الدعاة على شاشتها، وأمام جمهورها الذي يفوق جمهور قناته، ولو أنها وهبته برنامجا لصارت قناة "الدعوة والاتزان والاعتدال"، فأي مبدأ هذا؟، وأي أخلاق هذه؟، وأي ضمير يسمح لصاحبه بجعل الدين عصا غليظة على رأس كل من لم يسمح له بتحقيق شهوة الظهور؟ إنه التناقض الدال على أهداف أصحابه، وليس ذكر أسمائهم مهما، بقدر أهمية الوعي بأن "تسييس الدين"، يقود إلى هاوية ليس لها قرار؛ ذلك أن المتدينين بالفطرة يظنون أولئك مصلحين، وهم المفسدون، ولكن لا يشعرون. كل هذه المتناقضات تعيدنا إلى السؤال العتيق، وهو أن سؤال التقدم والتنمية والمواكبة سؤال وعي في المقام الأول، وما لم تكن العقول قادرة على التمييز بين: الزائف، والصحيح فإنه لا نهوض ولا مواكبة ولا حضارة. ممارسو التلاعب بالعقول، لن يفعلوا ذلك إلا حين يجدون الساحة مهيأة لذلك، ولو أنهم وجدوا عقولا مستقلة كاشفة قادرة على رفض ألاعيبهم، لما تجرؤوا على ديننا، وعلى عقولنا. رباه.. هب لنا رشدا.