سيرة ومسيرة الراحل د. عبدالعزيز الخويطر -رحمه الله- تضم العديد من الجوانب التي تستحق الحديث والتنويه، وتزداد الصعوبة عندما يكون المتحدث عنه من الذين كانوا يكرهون الثناء، وتتضاعف الصعوبة عندما تحس أنك لا تستطيع أن تعبر عن عاطفتك نحوه فهي أكبر من أن تجسدها كلمات أو عبارات. الصدق مفتاح شخصيته إن مفتاح شخصية الراحل (صدقه). إن الصدق هو الذي يجسد سلوكه وعطاءه، إذ لا ازدواجية بين قوله وعمله، بين مظهره ومخبره، وأجزم أن كل من تعامل مع (أبي محمد رحمه الله) أدرك هذه الحقيقة.. وأكرم بها من شيمة، ولعله قد دعا ربه تضرعاً أو دعي له بقول الحق: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) فاستجيب له. الحكمة بعد نظره في كل رأي يبديه أو قول ينطق به، أو فعل يؤديه ولم يكن له ذلك إلا لما وهبه الله من رجاحة في العقل، وبعد عن الهوى يعضد ذلك تواضع جميل محرج وتأهيل علمي عال وتجربة حياتية ثرية. تواضعه العجيب بساطته، وكم يُخجل -رحمه الله- من يعرفه ومن لا يعرفه عندما يلتقي به.. إنه لم يغره منصب، ولم يخدعه مؤهل، فهو يتعامل مع الكبير والصغير، مع أستاذ الجامعة وماسح الأحذية، بأسلوب واحد، سنامه التواضع ولعله اتخذ هذا المنهج من منطلق تدبره لقوله ربه: (ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً)، ولهذا فأحسب أن معاليه كان يعيش في سلام مع نفسه لا يشقيه غرور، ولا ينأى به عن الناس كبرياء، فالناس سواسية لديه، ليس بينهم فحمة ولا فرقد. حقاً بعض الناس يضايقك بكبريائه والبعض منهم يحرجك بتواضعه كالراحل د. الخويطر. نزاهة في زمن صعب نزاهته وحرصه على إيصال الحقوق إلى أصحابها كاملة في وقتها وهو يفعل ذلك على المستوى الرسمي والشخصي من باب إبراء ذمته، وإنني لأذكر مواقف كثيرة تفيض عدلاً ونزاهة في هذا الشأن من خلال تعامله مع الآخرين غنيهم وفقيرهم، ولا أسمح لنفسي، ولم يكن يسمح هو بالإفضاء بها أو الحديث عنها. إدارة الوقت حسن تنظيمه لوقته وقدرته على إدارته، فهو رحمه الله بقدر أدائه لأعماله ومسؤولياته الرسمية بكل دقة وإخلاص وحرص، فقد بارك الله في وقته، فهو يقوم بالواجبات الاجتماعية، وهو يجد الوقت للقراءة، وتأليف الكتب النافعة، وبخاصة تلك الكتب التي خدم بها تراثنا، وحببه إلى أجيالنا، وربط مضامين نصوص هذا التراث بواقعنا وحاضرنا، وحسبنا موسوعة (إطلالة على التراث) التي بلغت ستة عشر جزءاً، ثم كتابه الفخم (وسم على أديم الزمن) الذي طبع منه قبل رحيله 37 جزءاً وسود منه إلى الجزء الرابع والأربعين. حبه للخير وهذا جانب لا أبيح لنفسي الحديث عنه؛ فقد كان لا يرغب ذلك بحياته فكيف لا نحقق رغبته بعد رحيله، وإلا فهناك الكثير من جوانب البذل والعطاء على من يعرف حاجته أو يخبره من يثق به، ومن عمل أو تعامل معه أدرك ذلك بل له شفاعات كثيرة وبخاصة للمرضى، وقد ازدادت بعد ترك العمل الذي له علاقة بالناس لكن لم يكن يشفع بأمر فيه سلب لحق أحد رحمه الله جعل الله ذلك جانب اللطف فيه جانب جميل قد يخفى على من لا يعرفون معاليه سوى أنه مسؤول جاد، هذا الجانب، هو جانب (لطف الحديث وظرفه وحسن المعشر وجماله)، فمعاليه رحمه الله عندما يكون في مجلس خاص يكون هو قطب الرحى الذي يشد الناس، سواء في أحاديثه وقصصه الجادة، أو في جانب الطرفة الجميلة، والنكتة الحاضرة فأنت لا تمل الجلوس في مجلسه أو الاستماع إلى حديثه وطرفه. وبعد: لا أجد ما أقول لك أيها الراحل الغالي إلا كما قال أحد شعراء الوفاء من هذه الأرض الشاعر نايف رشدان: (بشراك غرس لا يغيب غمامه تنمو به الآمال وهو جديد تبقى خلالك حيث كنت زكية فالورد يعبق والغصون تميد) أتوقف هنا فمهما استرسلت في الحديث عن هذا الراحل الغالي أثق بأنني لن أوفيه حقه مهما كتبت، لكن (بعض الربيع ببعض الورد يختصر) كما يقول الشاعر عمر أبو ريشه. أسأل الله أن يرحمه كفاء ما قدم لدينه ووطنه وأبناء وطنه.. إدارة وإنجازاً ونزاهة وأمانة وعطاءات أدبية وثقافية.