أحد الدروس التى كان أستاذ اللغة العربية فى تعليمنا المتوسط كان عن " المفعول لأجله " وكان الأستاذ مصرياً أزهرياً ويحبه الطلبة لفصاحته وإصراره على أن لغة الضاد يجب أن تحظى بالحب والاهتمام. في شرح المفعول لأجله، في درس اللغة العربية كان الأستاذ يقول لنا ونحن في تلك المرحلة: إنه "أي المفعول لأجله" نكرة منصوب مصدره قلبي. أي انه إحساس داخل نفسي وان الفعل يتفق مع الفاعل في الزمن. ثم يورد أستاذنا مثلاً فيقول: "جُرّ العربُ إلى معارك جانبية خشية وحدتهم" وهذا "يقول الأستاذ" مَصْدرٌ قلبي. وكنا على علم بأن "جرّ" فعل ماض مبني للمجهول. والاستعمار لا شك بغيض، في كل أرض حل بها، وفي كل بقعة ارتحل منها، ومثالبه أكثر من أن تحصى. أرى أن كل مآسينا سببها خطط وضعها الاستعمار، وتقتصر في كثير من الأحيان رؤيتنا إلى كون الاستعمار ممارسة حديثة العهد وظاهرة مصلحية تهيمن على ممر مائي، أو منبع خيرات، أو محطات تزويد بالوقود، أو قواعد قريبة من أرض أعدائه. والآن يقترب هذا التفكير من الدقة، فالاستعمار ليس بوارج ولا جنودا ولا قواعد حربية. هل هناك شك بأنه جاءنا بثوب آخر يعتمد على جرنا إلى معارك طائفية وحزبية فإذا استوت الساحة ضرب بقوته ومزّق البلد واغتال العلماء وأساتذة الجامعات ودفن التراث ولوّث البيئة. كل هذا والعدو المشترك للوطن العربي لم يُطلق رصاصة واحدة.. مرتاح وشأنه مقضيّ. وحتماً من مصلحة ذلك الجهد "الاستعمار" ألا يتحد أبناء المنطقة ضده وإلا لتعرقلت مصالحه. لكني أعتقد أن رؤيتنا في ذلك الوقت كانت خاطئة. فالاستعمار حديث العهد، وعداوات العرب مع بعضهم قديمة العهد ترجع إلى أيام داحس والغبراء نعم: امتاز العرب بالكرم والظفر، وامتازوا على غيرهم في علوم كثيرة، ولا ينكر ذلك إلا جاهل. وأحس بأن أكثر العرب يشعر بالنقص إذا لم يأخذ مثل غيره.. ويساوره الشك في حسنات جاره ويحسبها "تحركاً" ضده أو تعالياً عليه. ثم إن كل متتبع يدرك لماذا فشلت أكثر من عشر محاولات للوحدة العربية، حتى جسور "الاتحادات" لم تبلغ الهدف المطلوب. فهل شبح "الاستعمار" لا يزال يتربص بنا، ليخنق وحدتنا، أم أن السبب ذاتي المنشأ ولا دخل للاستعمار ولأذنابه فيه. مما قال الشاعر سليمان العيسى ( من سوريا ) يرحمهُ الله: وطن الضاد ياشهيد الأفاعي كلّ يومٍ جريمة واعتداءُ أمّة الفتح لن تموت إني أتحداك باسمها يافناءُ