المطربة السورية أصالة، منذ بداية المأساة السورية، وهي تفصح عن موقفها المعارض لنظام بشار، المساند للثورة الشعبية. لقيت بسبب هذا الموقف هجوما منوعا، من زميلات الفن المقيمات مثلها في مصر، كالممثلة رغدة، التي كشفت لنا الأزمة عن تطلعات شعرية لديها. أو المطربة المخضرمة ميادة الحناوي. لم تسلم أصالة من الهجوم حتى من ذوي القربى، وأصرت على موقفها، لكن حدث ارتباك جديد في موقف أصالة بعد تواتر الأنباء عن الضربة الأميركية المزمعة لدفاعات وقوات بشار، مع مساهمات فرنسية وعربية موعودة. هذا أمر طبيعي نظرا لنوعية «المزاج» المصري السائد تجاه هذه الضربة، وهو مزاج سبقت الإشارة إليه في هذه المساحة. توقفنا قبل أيام عند «التباين» الكبير بين نظرة السوريين أنفسهم، وشعوب دول الخليج، من طرف، ونظرة المصريين، من طرف آخر. وشيء من تفسير هذا التباين. لأنه إذا كان التدخل الخارجي مدانا بالمطلق، فلم لم نشاهد هذه الغضبة وهذا التوجس تجاه التدخل الروسي الفج، ومثله الإيراني السافر، غير أن هذا حديث آخر. أصالة تعقدت أمامها الصورة، فعبرت عن هذا الارتباك بكلمات على حسابها في «تويتر»، قالت فيها: «لما اختلفت أنا وأخي أيهم وكان خلافنا كبيرا وقاسيا رفضت حدا يتدخل بيننا وحليناها سوا، مو قادرة أتخيل بلدنا عم تتوجع أكتر ويلعن أبو السياسة». هذا اللعن لـ«السياسة وأبوها»، يترجم مدى البون الشاسع بين النيات الطيبة والغايات النبيلة التي يتخذها الإنسان مع قضية يراها عادلة، وتعقيدات اجتماعية وموروثات تاريخية، لم تكن بالحسبان، فالسياسة في نهاية الأمر هي المرآة التي تنعكس عليها كل التناقضات والصراعات والمصالح المكبوتة، وهي المحك الذي عليه تختبر فعالية هذا الخطاب أو ذاك. الفنانون، في خضم هذه الأمواج التي تعصف بالعرب، تصبح لهم قيمة خاصة، وهم جزء من القوة الناعمة التي يحاول كل طرف الإفادة من رصيدها الشعبي ومحبة الجمهور. بشار لديه فنانوه، والمعارضة كذلك. في لبنان والعراق ومصر، وغيرها، هناك فنانون وحتى نجوم كرة قدم، يقفون هنا أو هناك، كما في قصة اللاعب المصري الشهير محمد أبو تريكة، الذي يعاني هذه الأيام من تهمة التعاطف مع الإخوان، بعدما سقط جمل الإخوان على الأرض فكثرت سكاكين الجزارين. هل يحق للفنان أو النجم الرياضي أن يتكلم في السياسة وينحاز لطرف معين؟! وإذا فعل هذا فهل يغامر بانشقاق جمهوره؟! وهل الأساس في الفنانين أنهم على دراية كاملة بتعقيدات الصراعات السياسية؟! أم أن قلة منهم تدرك هذا؟! وهل المطلوب من الفنان أصلا اتخاذ موقف سياسي، أم التفرغ لفنه فقط؟! أسئلة صعبة فعلا، خصوصا على الفنان. قال المخرج المصري يوسف شاهين، عن محمود المليجي إنه أعظم فنان مصري، ولكنه في السياسة والثقافة «غلبان»، حسبما ينقل عنه حسين أحمد أمين في كتابه الممتع «شخصيات عرفتها».