اشتغلت في فترة من حياتي في الإعلان. حوالي سنتين.. من باب التثقف قرأت مرة كتاباً عن فلسفة الإعلان. لفت نظري مقولة واحدة مازالت راسخة في يقيني وتبرهن عن صدقها بدون توقف.(اشتر بضاعة بمئة ألف واعلن عنها بمليون). لكن كيف تعلن؟ اكتشفت بعد فترة مجموعة من الحيل الإعلانية العظيمة يستخدمها. الحيلة الأولى الاسم الأجنبي. لا تتوقف فائدة الاسم الأجنبي على دغدغة الشعور بالدونية فحسب ولكن الاسم الأجنبي يسبغ على البضاعة شيئا من الغموض. لاحظ الفرق بين الاسمين. ( شماغ شمبرلين أو شماغ بن بخيت).. راقب كيف تغيرت أسماء الشمغ والمعسل الحيلة الثانية سأطلق عليها الادعاء. لنفترض أن بضاعتك شامبو. على فكرة لا فرق بين الشامبوهات في الأسواق إلا بالعبوات والرائحة والألوان أما المادة التي يتشكل منها الشامبو فهي في حقيقة الأمر واحدة وتطبخ في قدر واحد. لكي تشق بضاعتك طريقها في صراع المنافسين عليك أن تأتي بشيء غير مسبوق وتصر عليه. اليك الإعلان التالي: (شمبرلين هو الشامبو الوحيد الذي يحتوى على خلاصة مادة السنغرستين المقوية لبصيلات الشعر). هل تعرف ما هي مادة السنغرستين. ولا انا اعرفها. في مثل هذا الإعلان تراهن على ادعاءات الناس. ستجد من سيتبرع بالدعاية لك. في أي حوار حول الشامبو سيتلفت احدهم على صديقه ويقول: ايه بس يا جماعة شامبو شمبرلين يحتوى على مادة السنغرستين. من الصعب أن يتجرأ أحد الجالسين ويسأل( ما هي مادة السنغرستين؟) الإنسان بطبعه يخشى أن يتهم بالجهل فيمضي في خداع ذاته. الطريقة الثالثة: ان تزكي نفسك بنفسك. اطبع على بضاعتك من الخارج العبارة التالية:(الفائزة بجائزة جون ماكلين الأمريكية للتحقق من الجودة). لن يسألك احد من هو جون ماكلين ولا أين يقع ولكن لتفادي أي ملاحقة قانونية قد يقيمها عليك (ملقوف) اتصل باتفه محام في أمريكا وفوضه أن يفتح باسمك مؤسسة للتحقق من الجودة والانتشار. لن تكلفك أكثر من خمسمائة دولار بما في ذلك أجر المحامي واطلق عليها مؤسسة جون ماكلين للتحقق من الجودة والانتشار. هذا النشاط يشبه الجامعات الوهمية المنتشرة في الغرب. اختم على بضائعك من الطائرة إلى قوطي المعسل عبارة (الفائزة بجائزة جون ماكلين الامريكية للجودة) اما افضل وسيلة لترويج بضاعتك فتعتمد على التخفيضات. صمم بضائع وبعها بأعلى الأسعار. لنقل شنطاً نسائية. اعرض الواحدة في البداية بخمسين الف ريال ما ينقص هللة. واستمر على هذا ستة أشهر. بعد انقضاء المدة تكون بعت ما يقارب عشرة في المائة من الكمية أو حتى اقل أو لم تبع منه أي شيء. لا يهم. شن حملة تخفيضات رهيبة. تخفيضات سبعين في المائة. سيكون سعر الشنطة نفسها عشرة آلاف ريال. سيتهافت عليك (الذكيات؟) لماذا اطلق على هذا النوع من الإعلان الذكاء القائم على الغباء. بعض السيدات يعتقدن انهن عبقريات فينتظرن التخفيضات أو يسألن البائع فيسر لهن بالموعد كأنه متواطئ معهن. انتظر حتى يأتي الموسم فتهجم على المحل وتشتري الشنطة أم خمسين ألفاً بعشرة آلاف. تعود إلى البيت تتباهى بذكائها أمام زوجها وبشنطتها الثمينة عند صديقاتها. لا تعلم أن الخدعة مفصلة عليها لا على الخبلة التي اشترت بخمسين ألفاً.