×
محافظة المدينة المنورة

قاضي ل «الرياض»: وصول 150 ألف حاج إلى المدينة المنورة وجدة

صورة الخبر

ذلك هو جرير، وتاريخنا الثري، الذي تصدق مقاربته على كثير من النوازل في عصور لاحقة، ويمكن لنا أن نستدعي من مخلداتهم عبارات تكون أدق توصيفاً لحالنا ومستقبلنا، ولذلك قيل إن الأقدمين لم يتركوا شيئاً للمتأخرين في مجال الشعر وصوره ومعانيه، يقول جرير: زَعَمَ الفَرَزدَقُ أَن سَيَقتُلُ مَربَعاً أَبشِر بِطولِ سَلامَةٍ يا مَربَعُ وجدت نفسي أردد هذا البيت من الشعر أول ما سمعت بأن أمريكا تود توجيه ضربة للنظام السوري، على اعتبار أنه تجاوز خطوطها الحمراء باستخدامه السلاح الكيماوي. فقبل سنة وعدة أيام أعلن الرئيس باراك أوباما خطوطه الحمراء، وقد كانت بمثابة رخصة للقتل أعطيت بألوان خضراء للنظام السوري لقتل شعبه، ومنذ ذلك الحين قتل مالايقل عن 40 ألف سوري ما بين طفل وشيخ وامرأة ورجل أعزل. وكل ذلك كان مقبولاً ليس من أمريكا فحسب وإنما من بلدان الحريات وحقوق الإنسان الذين يحركون أساطيلهم انتصارا للإنسان إذا لم يكن يحمل في دمه جينات عربية. طبيب العيون الدكتور بشار أراد أن يختبر سلامة بصر المحامي أوباما فوجد لديه عمى في الألوان فقرر أن يستخدم الكيماوي وأن يختبر الإرادة الأمريكية. وكان أعراب كثيرون يتوقعون أن أوباما مازال يفرق بين الألوان، فإذا بنا نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً، فلم يكن من بد أن نتذكر جرير وبيته الشهير. غداً أو بعد أسبوع أو بعد شهر سوف تكشف الغمامة عن عيون الأمركيين لعلهم ينفذون تهديدهم، والتهديد لا يتجاوز ضربة محدودة لحفظ ماء الوجه ليس أكثر. ولكن هل ضربة محدودة فيها خلاص السوريين؟ ليس هناك من عاقل يساند عملاً عسكرياً يفاقم المأساة الإنسانية للسوريين، ولا تتحمل المنطقة مغامرة أمريكية غير مكتملة ولم يتم التشاور فيها حتى مع المقاومة السورية في الميدان. فما هي مآلات تلك الحماقة؟ إنه نبش لعش الدبابير، وقد يتطاير شرها في كل المنطقة؛ فإطلاق صاروخ كروز أو توما هوك من بعيد سيضرب مخازن فاضية، وثكنات خاوية، ومستودعات يدوي فيها صفير الريح، وسيكون ذلك رخصة أخرى للنظام السوري لسفك المزيد من الدم في المنطقة كلها، ولن تستطيع الدولة التي أطلقت الصاروخ الأول أن توقف الحرب بعد ذلك. هذا إذا افترضنا أنها تريد أن تطفئها. الولايات المتحدة عازمة على أن تثخن في هذه المنطقة من العالم، ومجلس الأمن يمارس هوايته في التحيز ضد القضايا العربية، ومثلما قال الأمير سعود الفيصل هنا فوتو وهناك فوتو، لايرحمون ولا يخلون رحمة الله تنزل على معاشر العربان. ليس هناك من شك أن النظام السوري ارتكب فضائع على مدى عامين ونصف يستحق عليها العقاب، ولكن أن يكون العقاب بهدف الانتقام للكرامة الأمريكية وتحقيق مصالحها القريبة والبعيدة فأعتقد أننا نفر من حرب أهلية في قطر واحد إلى حرب شاملة في المنطقة، وربما تريد أمريكا ذلك لتعم الفوضى الخلاقة حتى تستوي المنطقة لإعادة توزيعها وفق مقياس عدل الإمبراطورية الأمريكية الجديدة. إيران، وحزب الله، وروسيا يبدون ارتياحاً كبيراً للموقف الدولي المتخاذل، ويشمتون برئيس الوزراء البريطاني، ويعولون على الكونجرس أن يوقف ضربة مزعومة كان الرئيس الأمريكي يستطيع القيام بها بدون تفويض من الكونجرس، وسبقه إليها حتى دون جوانز واشنطن طيب الذكر بيل كلينتون. نفر من قدر إلى قدر، ومادام أننا أمة عربية مزعومة لا تستطيع أن تحافظ على كرامتها ولا أن تجتمع لنجدة المظلومين في قُطرٍ منها، فإننا نستحق أن نصبح ألعوبة لمجلس الأمن والدول العظمى. لقد بح صوتي وأنا أردد أن العرب ليسوا أمة وإنما هم شعوب ناطقة باللغة العربية، ولكل دولة منها حساباتها الخاصة التي تتعارض مع الدولة العربية الجارة فكيف تكوِّن أمة. أعتقد أنه من الأولى أن نفكر في مصالحنا الوطنية بجدية، وأن نحافظ على ما تبقى من دولنا، وأن نكف عن الشعارات الرنانة التي أضحكنا بها العالم علينا وأبكينا نفوسنا ونحن نجتر سيرة عنترة.