أمة اقرأ لا تقرأ، عبارة رددها الكثير في الشرق والغرب ولا نعلم بالتحديد من قائلها: هل هو الرجل الإسرائيلي أم غيره، هي كلمات يتعين علينا تحديد دلالتها، ومدى أهميتها في حياة الأمم، حيث لا يليق بنا أن نكتب عن أمة وهي خير الأمم، منهجية وجزئية تندرج تحت قائمة التقصير، ولكن في وسعنا أن نطرح تساؤلات حول ألأسباب: هل هي تربوية أو شخصية أو اقتصادية أو إدارية، علماً أنها جملة أسباب مكمله لبعضها، وقد قال الرئيس الأمريكي الثالث أحد أشهر رؤسائها مفكر سياسي في العصر المبكر للجمهورية الأمريكية توماس جيفرسون: إن الذين يقرؤون فقط هم الأحرار، ذلك لأن القراءة تطرد الجهل والخرافة، وهما من ألد أعداء الحرية، وحري بهذا القول أن يُفسر على أساس أن الحرية المقصودة هي التحرر من عبودية الجهل والضلال، بينما تمتلك العقول الشابة إصراراً عجيباً في إجراء التجارب تأكيداً لقناعتها، حتى وإن كان حضورها المسرحي على خشبة الحياة متوتراً ومرفوضاً، وحولها دائرة تعاني من اصطفاف غير منظم، على الرغم من أن المجال فسيح ومبهر، فلو حلقنا على طبق طائر يغزو مساراً أكبر ومساحة أعظم، لما نالت منا شمس الجهل ولما عمت العشوائية، واستطاعت الجهود الشابة أن تحقق أملاً يرفع شأن العلم ويحرض على المعرفة، بروح المغامرة وبانفتاح يوجب الضرورة لكي يصل إلى العالم ويقصر المسافات بين الحقيقة والمعنى. ولكانت حظوظ أمتنا أكبر وإدراكها أعمق، وثقافتها أشمل ولما طالها التصنيف من بين الأمم وأوسعها ضرباً من الأحكام الجائرة، ووصمها بعار الجهل، وجعل منها أمة لا تقرأ، وهي خير الأمم. مهما تناهت النتائج والإحصائيات والظروف الصعبة التي تدين العقول وتشيع بينهم الأمية وسوء الارتقاء إلى العلم والعالم والثقافة، ثم يتأسس القول على أننا أمة لا تقرأ ولا تبحث عن الازدهار الفكري الذي عم الكون، يقول "إدغار موران " في كتابه (علم بلا ضمير):ينتج العلماء اليوم، بشكل ما، مستطاعاً لا مستطاع لهم عليه، تحت مراكز نفوذ –اقتصادية وسياسية لها منذ الآن كل القوة، قادرة على أن تستخدم إلى أقصى حد إمكانات التلاعب والتدمير الناتجة عن تطور العلم نفسه،) إن مع هذا التطور تضاءلت نسب القراءة بين الناس عامة والمثقفين والكوادر التعليمية، وارتفعت هذه النسب بشكل عال جداً، فكانت نتيجة جهل وأصبحت نتيجة تكدس علوم وتسارع معلومة، ثم استطرد "إدغار موران " نصوصه حول العلم قائلاً: ليس نقد العلم تحطيما له، فكان ينمذج العلم وينتشل أجزاءه من النقص والتناقص، الذي نشأ على حب القراءة والاطلاع الدائم، على عكس مجتمعات العالم الثالث التي أرهقها الاستعمار والفقر والحاجة، فتنازلت عن الكتاب مقابل الخبز، ولكن ما لبث الزمن أن أعاد لنا شمس الأمل فأشرقت على التعليم وقامت الجهات المختصة بالدور الرائد الذي تقوم به الدول لتحقق نقلة حضارية غاياتها هذا العلم وهذه التقنية، لذلك فإن العلماء والفلاسفة والأدباء يثمنون المعارف ويرفعون قدرها وأهميتها للمجتمعات، ويجعلون منها واجباً وفرضاً، قد أقره الدين قبلهم، ولم يكن أفول نجم القراءة بين الناس حديث عهد بل هو قديم عهد، تأسس على يد الجهل، واستمر رغم وجود العصر الحديث بكل تقنياته، اعتمد الناس على الصور التي جذبت كل الحواس وتركوا القراءة، ثم ما لبثوا أن صنعوا منها ثقافة تصويرية أو ما يُسمى بقراءة تصويرية، اصطفت إلى جوار أقسام القراءة المتعددة، ولكن لو ساهمت المناهج التعليمية بالمشاركة في إكساب القراءة رونقا براقا، وعلمت الأجيال كيف تقرأ أسباب الحضارة العالمية والثقافات المختلفة التي صنعت جوهر العلم، ثم قامت بأدوار منسجمة مع التقنية، لوجدنا أن الأغلبية تقرأ وقد تجذرت في نفوسها هذه الأهمية وهذا الطابع الخلاق الذي يتيح التنوع ويخلص الناس من عوائق الانغلاق الذي لا يبني أو يشيد حضارة.