لا تزال كلمات المتنبي حول الكتاب قائمة، فهو «خير جليس» بالنسبة لي. كان «القرآن الكريم» أول الكتب التي تعرفت عليها، ومن جميل الصدف أنني كنت أقرأه وأسمعه في آن واحد، كنت مأخوذا بالقارئ الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، وكذلك بالشيخ أبو العينين شعيشع. ولا تزال تتردد في مسامعي تلك الآيات البليغة التي كانا يجوّدانها بطريقة مذهلة. وأستطيع الزعم أنني أحفظ كثيرا من السور بسبب تلاوة هذين الشيخين الجليلين. كان «القرآن» يملك سحره علينا، خاصة وهو كتاب سماوي له قدسيته عند المسلمين وسائر المؤمنين، كما أنه أقدم كتاب عربي وصلنا حتى هذه اللحظة، وهو يعد الكتاب السماوي الوحيد الذي كتب في زمن النبوة، ومن قبل الصحابة أنفسهم، وبالتالي لم يفقد من كلماته شيئا. تأتي القصص الشعبية وعلى رأسها «الزير سالم، وأبو زيد الهلالي، وعلي، والغول» في مقدمة الكتب التي كنا نتداولها في صبانا الأول، لكننا بعد تخطينا الصف الرابع الابتدائي، وبسبب وجود مكتبة في مدرستنا، أخذنا نقرأ قصص الأطفال وبعض الروايات التربوية المترجمة. في الصف السادس الابتدائي نصحني الصديق العزيز والشاعر المبدع كاظم الحجّاج بشراء بعض الروايات المهمة. وكانت «دار الهلال»، ومطبوعات «كتابي»، وكتاب الجيب، من أول الكتب التي بدأت في اقتنائها، وحسب المصروف المتوافر لي آنذاك. كنا نتناقش حول بعضها مثل روايات «موت في الظهيرة» لإرنست همنغواي، و«الأم» لمكسيم غوركي، و«غادة الكاميليا» لألكسندر دوما، وغيرها من الروايات التي كانت تتوافر آنذاك، لكن الانتقالة الأخرى كانت في التحول لقراءة بعض الكتب الفكرية والنقدية وحياة الفنانين التشكيليين وكتب التاريخ أيضا؛ حيث بدأت أتفحص الموضوع، وأمعن في بعض مفاهيمه وأفكاره العامة. في المتوسطة، أصبحت عندي مكتبة صغيرة، فيها أعمال جبران خليل جبران، والمنفلوطي، وجرجي زيدان، وتوفيق الحكيم، وعباس محمود العقاد، ثم تطورت فدخلت بعض روايات وقصص نجيب محفوظ، وحنا مينا، وغيرهما. عند دخولي معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1964، أصبحت المسرحيات والأدب العراقي وبعض الدراسات التي تنشرها مجلة «المجلة»، و«الفكر المعاصر»، و«الكاتب المصري»، من أهم المصادر الثقافية لي، كانت القراءة كلها باللغة العربية ولم أنتبه إلى أهمية تعلم لغة أجنبية آنذاك. اليوم وأنا أراجع تاريخي مع الكتاب، أشعر بأنني قد أضعت أوقاتا ثمينة دون الاستفادة منها في قراءة كتاب أو دراسة أو بحث ما، لكن الكتاب لا يزال جليسي الأثير، وقد أدعي أنني أستطيع الآن أن «أتمتم» بثلاث لغات إلى جانب العربية. * فنان تشكيلي عراقي