×
محافظة المنطقة الشرقية

«التربية» تجمع قيادات تربوية لمناقشة الحوافز المعنوية لمديري المدارس

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي في لقاء مع زعيم حزب الاستقلال البريطاني نيجل فاراج، وبعد سؤال عن رأيه في الرئيس الروسي بوتين، قال: «أنا معجب ببوتين»، معتبراً إياه أحد أكفأ زعماء العالم. مثل هذه التصريحات لن تكون ذات أهمية لو صدرت قبل أعوام عدة، نظراً إلى هامشية الحزب في النظام البريطاني الذي يسيطر عليه حزبا «العمل» و«المحافظون». لكن بعد تقدم الحزب في الانتخابات المحلية على كل الأحزاب الأخرى- في حال لم تتكرر منذ 100 عام- وحصوله على ٢٤ مقعداً من مقاعد بريطانيا الـ73 في البرلمان الأوروبي. صعود حزب يميني في الانتخابات بهذا الشكل ليس ظاهرة، ولاسيما في بريطانيا، بل هي ظاهرة أوروبية. ففي النروج حصل حزب التقدم اليميني، الذي كان بريفيك -النرويجي اليميني الذي قتل العشرات قبل أعوام عدة في النروج- أحد أعضائه، على ٢٩ مقعداً في البرلمان. أما الجبهة الوطنية الفرنسية فحصدت ٢٤ مقعداً من مقاعد فرنسا في البرلمان الأوروبي. في حين أن اليونان شهدت تصاعد حزب «الفجر الذهبي» المتهم في كونه نازياً وفاشياً. أما في النمسا، ومن بين المقاعد الـ18 أحرز حزب الحرية اليميني أربعة مقاعد. الصحف الغربية تعاملت مع هذه الظاهرة بعنوان عريض اسمه: «صعود اليمين المتطرف»، وتحت هذا الاسم تُدرَج جميع هذه الأحزاب التي، على رغم توزعها في بلدان مختلفة، إلا أنها تتبنى الدفاع عن مجموعة من السياسات، فهي غالباً ليست منحازة إلى الاتحاد الأوروبي، وموقفها منه يتراوح بين تقليص نفوذه إلى الانسحاب منه. ففي أحد تصريحات فاراج يقول: «لست فقط أريد إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بل أريد إخراج أوروبا من الاتحاد الأوروبي». كما أن هذه الأحزاب دوماً تتبنى موقفاً محافظاً من سياسة الهجرة في بلدانها، وتتبنى خطاباً شعبوياً عنصرياً ضد المهاجرين. وفي البلدان التي يكون فيها غالبية المهاجرين مسلمين، يصبح هذا الخطاب خطاباً معادياً للإسلام، كخطاب حزب الحرية الهولندي. وكما هو بيّن من كلام فاراج زعيم حزب الاستقلال، فهذه الأحزاب أيضاً تُبدي انحيازاً لروسيا أكثر من الانحياز التقليدي إلى أوروبا اتجاه الولايات المتحدة، والذي يجد تعبيره الأسمى في تحالف «الناتو».   سُكب كثير من الحبر في تفسير «صعود» هذه التيارات، فمن قائل بأنها نتيجة للظروف الاقتصادية التي مرت بها أوروبا، إذ أدت زيادة عدد العطالة إلى تزايد دعم سياسات مكافحة الهجرة والوحدة الأوروبية والعنصرية اتجاه المواطنين من أبناء المهاجرين. ومن قائل إنها رد فعل آيديولوجي اتجاه سياسات التعددية الثقافية والاتحاد الأوروبي، إذ تمثل هذه السياسات تهديداً للثقافة الأوروبية ونقائها، ومن هنا يصبح الخطاب المعادي للتعددية والتنوع يُطرَح ضمن أطر حماية التراث والهوية والتاريخ. ضمن هذه التفسيرات يمكن القول بشيء من المبالغة إن «أوروبا المستقبلية» بالنسبة إلى مخيال هذه الأحزاب ستكون أمراً مشابهاً لمجلس التعاون الخليجي، حيث سياسات الهجرة محافظة جداً، لا يسمح للعمالة الأجنبية مهما عملت بالخليج من الاستقرار واكتساب الجنسية. ولأنها لا تتمتع بحقوق المواطنة فلا يمكن الحديث عن حقوق ثقافية لها، ولا تتحمل الدولة -من الناحية المبدئية- مسؤولية اتجاهها، ويصبح قرار ترحيلها قراراً سهلاً جداً لحل مشكلات البطالة أو توطين الوظائف. إلا أنه يجب التنبه إلى أن مثل هذه التفسيرات -وإن كانت صحيحة نسبياً- هي تفسيرات المؤسسة، أو تفسيرات المدافعين عن الوضع القائم، ومن ثم لا تعكس وجهة نظر هذه الحركات في شكل صحيح وسليم، فهي في بعض الأحيان تخفي أن هناك صعوداً آخَر غير صعود الأحزاب اليمينية، كصعود الحركات الانفصالية، وصعود الأحزاب اليسارية، ففي اليونان على سبيل المثال حقق تحالف اليسار -الراديكالي المسمى (سيريزا) المركز الأول من ناحية عدد المقاعد في البرلمان الأوروبي. وفي إسبانيا استطاعت حركة «بوديموز» حصد ٨ في المئة من الأصوات، وهي نتيجة جيّدة، نظراً لعمر الحركة التي لم يتجاوز الأربعة أشهر. بينما في إيطاليا أحرزت حركة جديدة تسمى بـ«أوروبا الأخرى» نتائج مقنعة بالنظر لعمرها الذي لم يتجاوز ثلاثة أشهر. وإذا أخذنا في الاعتبار هذه الحركات، فإن تفسيرنا لما يحدث في أوروبا سيكون أكثر دقة بعد أن يتحرر من الرؤية المنبثقة عن المدافعين عن الاتحاد الأوروبي، وسنستطيع رؤية الطيف السياسي الأوروبي أكثر وضوحاً من اليافطات العريضة كالإسلاموفوبيا، وصعود اليمين المتطرف، والتي لا تفعل أكثر من إخفاء المشكلات المؤسساتية التي لم تُحسَم بعدُ حول علاقة الاتحاد الأوروبي بالدول الأعضاء. هذه المشكلات التي تُفرَض حلولها غالباً من الأعلى. ومهما تكن أهمية هذا الصعود لليمين أو الصعود للحركات المناوئة للاتحاد الأوروبي من «اليسار» و«اليمين»، فإن تأثيرها على المدى القصير سيظل محدوداً. فما زالت الغالبية في الاتحاد الأوروبي تصوت ليمين ويسار الوسط، وما زالت السياسات تديرها الأحزاب التقليدية، إلا أن هذا العامل يجب أن يكون موضع اهتمام بالغ لدى الدول العربية في تعاملها مع الاتحاد الأوروبي، ورصدها لمستقبل علاقاتها معه، فتفجُّر الأوضاع في هذه القارة ليس مستبعداً، بل إن الاستثناء في تاريخها الحديث هو الاستقرار لا الاضطراب.     * كاتب سعودي.