يمكن القول إن علامات "الاندهاش الأولى" التي ارتسمت على وجوه بعض "السياح الأجانب"، والمهتمين بالتدوين التاريخي، هي العنوان المعرفي العام، الذي يمكن تصويره دلالياً، وهم يطالعون ما كتبه وصوره الصحفيون الغربيون الذي جاؤوا في فترات ماضية إلى المنطقة التاريخية المركزية بجدة، منذ ما يقارب الـ150 عاماً. يحتفظ "مقعد جدة وأيامنا الحلوة"، الذي جاء كمبادرة "تراثية وثقافية" أهلية من قبل المركز الوطني للأبحاث والتوثيق بحارة اليمن التي شكلت إحدى الحارات الأربع الرئيسية قبل هدم سور جدة القديمة في 1947، بركن أساسي حيوي ومعرفي عن مكنونات هذه المنطقة في "الذاكرة الأوروبية" العتيقة. "القصة الخبرية والصور الصحفية"، هما الركيزتان اللتان اعتمدت عليهما الصحافة الغربية في نقل ما يحيط بهذه المدينة من "جمالية تاريخية ماضية"، ودلالاتها الإنسانية ومرافقها الطبوجرافية القديمة. قصاصة صحفية من صحيفة لندن نيوز (LONDON NEWS) البريطانية، الصادرة في الرابع والعشرين من يوليو 1858، برقم العدد "928"، تحوي أسفل الموضوع الرئيسي بالصحيفة الذي كان يتحدث عن التلوث بنهر "التيمز الشهير"، صورة كبيرة لميناء جدة العتيق في البحر الأحمر، الذي حل بدلاً من ميناء الشعيبة الواقعة جنوب غرب مكة المكرمة، واستقطب تجارة البحر الأحمر لقرون عدة. يشير القائمون على مركز "توثيق" بالمنطقة التاريخية في حديثهم إلى "الوطن" إلى أن الصحف الغربية التي تحدثت عن جدة هي "الإنجليزية والفرنسية والإيطالية"، فصحيفة "لابيتي جورنال"، التي توجد قصاصة منها حيال معلومات جغرافية عن ماهية جدة المدينة الساحلية الصغيرة، وسكانها وعادات أهلها، وكان ذلك عام 1895. كما يحتوي المقعد كجزء أساسي منه على صورة لرحالة وصحفي بريطاني قدم إلى جدة في 1940، كان متجهاً على متن سفينة متجهة إلى أبوظبي قبل أن تتوقف لساعات قليلة أثناء الظهيرة (وقت قيلولة أهل جدة في ذلك الوقت)، ليأخذ ما يقارب 40 صورة عن جدة القديمة قبل هدم سورها بسبعة أعوام، - التي تشكل بعدها التطور العمراني والسكاني في المدينة-، ليستجلبها القائمون على مركز توثيق مرة أخرى بعد مضي 73 عاماً من ورثته عبر دفع قيمتها المالية لملكية الحقوق الفكرية، وألا تعرض إلا في "مقعد جدة وأيامنا الحلوة". جهات شراء القصاصات الصحفية القديمة لم تكن من جهة محددة، بل حملت في طياتها "رؤى وعشق" لاستجلاب ما يمكن جلبه من تلك القصاصات التي تتطلب في بعضها سفراً مقصوداً لمقابلة القائمين على أشهر المجلات العالمية المتخصصة في الصور كـ"ناشيونال جرافيك" و"لايف". وحينما تتحدث مع بعض مؤسسي المركز عن "القيمة المالية" لجلب صور "طبق الأصل" لتلك الصحف، يرفضون بشكل قاطع الحديث عن القيمة، بل تجدهم يجيبونك بعفوية وتركيز في آن واحد "يكفينا أن نحافظ على بقية هوية هذا المكان الذي يمثل الحيوية الحقيقية لتاريخ جدة رغم التطور العمراني والسكاني". "إرث" ما كتبته الصحافة الغربية عن جدة تجده عامل "هم مشترك" بين مؤسسي مركز توثيق، وخاصة وهم يتحدثون مع "السواح الأجانب" الذين يتسمرون كثيراً أمام تلك القصاصات الصحفية، مازجين ما بين "الاستغراب والحقيقة التاريخية" المؤصلة عن مدينة الثلاثة آلاف سنة في الاهتمام الغربي القديم لعروس البحر الأحمر.