لم يكن وادي حنيفة خلال السبعينيات الى منتصف الثمانينيات يدل على انه واد ذو تاريخ مجيد احتضن على ضفافه أقدم الحضارات فاستوطنته قبيلتا طسم وجديس، ثم بني حنيفة في حجر اليمامة (الرياض الآن). بل كان يبدو وكأنه مكان معزول عن الرياض مما شجّع على اختياره موقعا مناسبا للتخلص من المجاري والنفايات الناتجة من تنفيذ خطة تنمية وتطوير الرياض. لكن سرعان ما تنبهّت (فور انشائها قبيل الثمانينيات) الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض الى الخطر الداهم الذي سيحل بسكان الرياض لو استمر استخدام الوادي الذي يخترق الرياض من الشمال الى الجنوب فيقسمها الى نصفين مجمعا للمخلفات فبادرت بمشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة. من البديهي ان تكون بداية التأهيل هو اعلان الوادي منطقة محمية بإيقاف جميع مصادر التلوث فاشتهر اسم الوادي عن طريق وضع لوحات التأهيل على جميع مداخله. ومن ثم بدأت عملية تنظيف الوادي وإزالة المخلفات المتراكمة خلال الخمس عشرة سنة الأولى من سنوات خطط التنمية. لقد بذلت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض جهودا مضنية وانفقت اموالا طائلة مكنتها من النجاح في تأهيل الوادي والقضاء على مسببات الضرر الناتجة من نشاط الانسان. لكن تبيّن ان الانتهاء من عملية تأهيل الوادي ليست هي نهاية المطاف بل هي البداية للقيام بالعملية الصعبة والأكثر تكاليف وهي تحويل الوادي تدريجيا الى أهم منتجعات الرياض. الآن بعد ان تمت مرحلة تأهيل الوادي بنجاح وهي المهمة الملقاة على عاتق الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض جاء دور تحويل الوادي الى مراكز استثمار اقتصادية – لا تتفق مع طبيعة عمل الهيئة – لأن المرحلة القادمة تتطلب القيام بمهام ونشاطات اقتصادية (تجارية ربحيّة) تعتمد استمراريتها على تمويل ذاتها بذاتها وهي مهام لا يمكن تحقيقها الا عن طريق فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في المشاريع التجارية التي تجذب المتنزّهين والسياح وتوجد عادة في الاماكن المماثلة في العالم. الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض – بعد أن أنجزت مهمتها في وضع الاساس – ينبغي لها الآن ان تتوجه للقيام بحملة لإقناع رجال الاعمال بجدوى الاستثمار التجاري في الوادي وتقديم الدعم اللوجستي (وليس المالي المباشر) لهم فتدعو وتشجّع المستثمرين من القطاع الخاص بإقامة المتنزهات ومراكز الترفيه والالعاب والفنادق (موتيلات) والمطاعم ودور السينما والمسارح والمهرجانات. كذلك القيام بحملات دعائية لتعريف الجماهير بوسائل الترفيه والتسلية المتاحة وعمل خرائط تفصيلية للوادي توضّح الطرق ومواقع الأماكن على امتداد الوادي. مستقبل الوادي مرهون بصرف الأموال اللازمة للمحافظة على سلامته التي لا يمكن توفيرها من غير استثمار القطاع الخاص وتطبيق قاعدة الغرم بالغنم (اقتطاع نسبة معينة من صافي ارباح المستثمر) ويدفعها للجهة المشرفة (قد تكون تابعة لهيئة تطوير الرياض بالتنسيق مع هيئة السياحة والآثار وأمانة الرياض) لتصرفها على احتياجات الوادي – أهمها المعالجة الكاملة للمياه الجارية – واكمال ربط الأجزاء المتقطعة من الوادي واقامة النصب الجمالية والمتاحف والعروض وإيجاد اكشاك توزيع الخرائط وترتيب رحلات سياحية منتظمة للتعريف بأنحاء الوادي وبالتالي يصبح الوادي منتجعا عصريا متكاملا لسكان الرياض وكذلك جاذبا للسياحة من خارج الرياض. قبل ان نختم يجب ان لا ننسى ان اكتمال تأهيل الوادي يتطلب تأهيلا – من غير قطع أرزاق – متسولات الوادي (ساكنات عريجة المطلة على الوادي مباشرة) بتحويلهن من متسولات الى بائعات للمشغولات اليدوية الشعبية والألعاب الخفيفة (ما عدا الشروخ) للأطفال. قد يرى البعض انه من المناسب اتاحة الفرصة لتصويت اهل الرياض على اضافة تسمية الوادي باسم حجر اليمامة كرديف موازن لاسم وادي حنيفة. موضوع الاسبوع القادم – ان شاء الله – بعنوان: اقتصاديات جمعية الموت – قاعدين.