بقلم : د. فاطمة السلمي للأسف تفشت في الآونة الأخيرة ظاهرة انتقال المتعاقد بعد إنهاء عقده من جامعة إلى جامعة أخرى حاملاً معه توصية تسهل إجراءات التعاقد معه مجدداً.. وهذه التوصية (سبب إنهاء عقده عدم الحاجة للعمل).. بالتغاضي عن الأسباب الحقيقية التي من المفترض أن يترتب عليها تطبيق إجراءات قانونية صارمة. هناك متعاقدون لا نعلم كيف تعاقدت معهم الجامعات، وما هي معايير الجودة التي اختيروا على ضوئها، أم أن معايير الجودة في الجامعات تُستخدم لأمور ليست ذات أهمية، ونتغاضى عنها في أمور تمس نزاهة وقيم العمل، وتجعل الآخرين ينظرون إلينا نظرة استخفاف وتهاون وتسيُّب وعدم انضباط في تطبيق معايير تُعد من أهم معايير التعاقد مع غير السعوديين. ثم ما هي النتيجة؟.. تجمُّع فئة متعاقدة مع جامعاتنا غير مؤهلة أساساً للعمل في جامعاتهم، والتساؤل هنا: كيف تم إذن التعاقد معهم للعمل في جامعاتنا؟.. ألهذه الدرجة انحدرت الضوابط والمعايير والشروط التي تحكم التعاقد مع غير السعوديين؟.. الخريج السعودي سواء من داخل المملكة أو خارجها يخضع إلى معايير دقيقة وشروط عديدة للحصول على الوظيفة الأكاديمية.. لا اعتراض لنا على ذلك، جميعنا يرغب في تطبيق العدالة والمساواة عند التعيين، ونرغب في تقصي الدقة وحسن الاختيار والنزاهة عند تعيين الكفاءات.. ولكن أين المتعاقد غير السعودي عن ذلك كله؟.. لا مقابلات شخصية، لا مناقشة لرسالته العلمية والتحقق منها، ولا الرجوع للشهادة الحاصل عليها والتوثق من مصداقيتها ونزاهتها، ولا الرجوع لجامعته المتخرج منها للتأكد من أنها معترف بها دولياً.. وبخاصة أن تكون معترفاً بها في بلادنا.. وأهم معيار نفتقده عند التعاقد: استقدام المتميزين في جامعاتهم. للأسف قلّما نرى تفعيل هذا المعيار والأسباب عدة: 1 إن الأكاديمي المتعاقد في إحدى جامعاتنا لم يسبق له العمل في أي جامعة في بلاده.. فأي خبرة يا ترى سيثرينا بها؟.. أم أنه جاء ليكتسب الخبرة ويعود لبلاده بعد تأهيله للعمل من خلال الدورات وورش العمل والمؤتمرات التي تستنزف مبالغ طائلة من الجامعة لا نجني منها إلا تأهيل المتعاقد لجامعة أخرى وفي الغالب في بلاده. 2 إن المتعاقد بعد مضي سنوات استنزف الجامعة أموالاً طائلة كدعم لكتبه وأبحاثه ثم نكتشف أن شهادته مزورة أو أنها من جامعة غير معترف بها. 3 أحياناً المتعاقد يُمارس سلوكيات غير أخلاقية مع طلابه فيسارعون لإنهاء عقده.. وهذه خطوة إيجابية.. ولكن ماذا بعد ذلك؟.. يُعطى توصية أسباب إنهاء عقده (عدم الحاجة للعمل) وبعد عدة أشهر نجده في جامعة أخرى ماذا نُسمي ذلك؟.. وماذا فعلنا لاستئصال الفساد؟؟؟ 4 إن التعاقد يتم عن طريق لجان تحدد مدى احتياج القسم للمتعاقد ولاعتبارات شخصية يتم التعاقد مع المعني ضاربين بالمعايير والشروط عرض الحائط. المهم تحقيق رغبات أشخاص معينين.. في حين أن كان طالب التعيين سعودياً يخضع لشروط ومعايير تنتهي غالباً برفضه لأنه لا يتوافق مع أهوائهم الشخصية. وبعد التفات هيئة مكافحة الفساد لهذه القضايا ووجود برنامج نزاهة في بعض الجامعات، واستيقاظ الضمائر في بعض الجامعات.. كل ذلك أدى إلى كشف قضايا من المؤسف أن تتواجد في جامعاتنا التي تتميز بالضوابط والمعايير الدقيقة. الخطوة الجديرة بالذكر المسارعة إلى إنهاء عقود كل من خالف شروط التعاقد بأي شكل من الأشكال.. ولكن الكارثة هل أُنهي عقد المتعاقد وتم تطبيق الإجراءات القانونية تجاهه كاسترداد المبالغ التي صُرفت له دون وجه حق، ووضع اسمه في القائمة السوداء في مركز متخصص بوزارة التعليم العالي، حتى لا يُفكر بالتعاقد مع جامعة في الداخل. كذلك وضع إجراءات صارمة للتأكد من مغادرته للبلد ومنعه من العودة ثانية، فمن يتلاعب ويتجاوز في البداية لا يُوجد رادع له من تكرار تلاعبه وتجاوزاته. إضافة إلى تطبيق إجراءات رادعة لأي لجنة غير نزيهة تتعاقد مع متعاقدين لا تنطبق عليهم شروط التعاقد.. حتى يكونوا عبرة لكل من يتلاعب بالأنظمة والقوانين ويحكّم أهواءه الشخصية. فهل يا ترى نتفاءل بمركز متخصص في وزارة التعليم العالي يمنع الفساد والتجاوزات ويتسم بالنزاهة والجدية والموضوعية.. وملاحقة المفسدين والمتلاعبين الذين ينتقلون من جامعة إلى أخرى حاملين توصية (عدم الحاجة للعمل) وأن يستشعر كل مسئول أمانة المسئولية الملقاة على عاتقه بإيضاح الأسباب الحقيقية من وراء إنهاء عقد المتعاقد. بذلك يمكن القول: لا للفساد.. نعم للنزاهة.. وهذا لن يتم بدون أن نتكاتف ونتعاون للوقوف في وجه كل متعاقد يرغب في التلاعب والتجاوز على الأنظمة ونشر الفساد بأشكاله المختلفة. نقلا عن الجزيرة