ذهبت إلى المدرسة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، في قرية في أقاصي الجنوب، لم تكن الكهرباء قد دخلت لقريتنا بعد، كانت مدرستنا الأولى بناء مسلحاً بينما البيوت المحيطة بيوت من الطين، فناؤها يرتفع لأكثر من مترين، والأفنية المحيطة لا تتجاوز المتر وربع المتر، في الليل تتوهج شعلة من الضوء عندما يبدأ طلاب الفترة الليلية فتعمل المولدات، فتتوارى فوانيس البيوت المحيطة خجلاً، كانت مدرستنا الأولى مجهزة بكافة التجهيزات التي لا تتوفر اليوم، غرفة الفنية مجهزة بالأوراق الملونة والمقصات والصلصال والكراريس المجانية والألوان، وساحة المدرسة مجهزة بملاعب كرة السلة والطائرة والقدم، وألعاب الجمباز والقوى من الحصان والقلة والرمح، كانت الوزارة تكسو طلابها بكسوتين للرياضة في السنة الواحدة، وتقيم مسرحاً وعرضاً رياضياً مبهراً نهاية العام. وبعد 35 عاماً، أسكن في حي مجاور لحينا السابق، حي جديد، أكبر أحياء منطقة الباحة، يقع بين المطار والجامعة، عندما أصعد لسطح منزلي أرى مركز الرعاية الصحية بالحي والشرطة والمرور ومحكمة المحافظة والمطار والمعهد التقني العالي، والمستشفى العام، وقصر سمو أمير المنطقة، كلها في محيط دائرة لا يتجاوز نصف قطرها 2 كيلومتر تقريباً، الطريق المزدوج بالحي منار ومرصوف، والحي مكتظ بالفلل والقصور، كل هذه الخدمات والتطور بالحي ولا يوجد سوى مدرسة ابتدائية للبنين مستأجرة ولم تفلح مطالبات سنين طويلة من إنشاء مدارس لكافة المراحل. هذا مثل بسيط يجعلني أبكي على التعليم وأشعر أنه قد تخلّف كثيراً، التعليم الذي وصلنا أولاً ومتطوراً قبل ثلاثين عاماً، أصبح متثاقلاً متخلفاً عن الركب لا يأتي إلا في المركز الأخير واسألوا حينا وربما كل أحياء السعودية.