×
محافظة حائل

الحربي مديراً لشعبة الحوادث بحائل

صورة الخبر

بعضهم يراها كأنها معجزة اقتصادية، وآخرون يرونها بمثابة كارثة بيئية. لكن هل بإمكان جانبي النقاش حول طاقة النفط الصخري أن يكونا أقرب مما يعتقدان؟ ما الابتكار الأكثر أهمية في القرن الحادي والعشرين؟ الآيفون؟ فيسبوك؟ من الصعب فعلاً إعطاء أسباب وجيهة لأي شيء غير العملية المعروفة بشكل شائع باسم التكسير: وهي عملية استخراج النفط والغاز من التشكيلات الصخرية، اللذين تعذّر الوصول إليهما سابقاً. على مدى العقد الماضي حولت طفرة النفط الصخري الأمريكية توقعات الطاقة في البلاد، منهية تراجعاً استمر عقودا من الزمن في إنتاج النفط وتخفيض أسعار الغاز الطبيعي بقيمة الثلثين من أعلى مستوياتها في عام 2008. الدخل وفرص العمل وإيرادات الضرائب التي أوجدتها ثورة النفط الصخري أدت إلى إنعاش المناطق الصناعية والزراعية المُحتضرة، وتشجيع الآمال في انتعاش مستدام في مجال التصنيع في الولايات المتحدة على أساس الطاقة الرخيصة. وفي الوقت نفسه، التحوّل في توليد الطاقة بعيداً عن الفحم باتجاه الغاز أدى إلى تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وغيرها من المُلوّثات. لكن الأكثر عمقاً على الإطلاق هو أن الطفرة غيرت تصوّرات الأمريكيين لمكانهم في العالم. بما أنه لم يعُد محكوماً على الولايات المتحدة الاعتماد بشكل متزايد على واردات النفط والغاز من الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، أصبح بإمكانها التكهن بمستقبل يكون في اعتماد على الذات في مجال الطاقة. وعلى الرغم من أن ثورة النفط الصخري بدأت في الولايات المتحدة، إلا أنها تنتشر الآن حول العالم. وأخذت البلدان من الأرجنتين إلى الصين في تطوير احتياطياتها الخاصة بها. إن رؤية كل هذا باعتباره نتيجة للتكسير فيه شيء من تشويه الأمور. فالتكسير الهيدروليكي، إذا أردنا إعطاء التقنية اسمها الصحيح، هو مجرد واحد من التطورات التي حدثت في الأعوام الـ 15 الماضية أو نحو ذلك، التي جعلت الإنتاج من احتياطات النفط الصخري ممكناً. لقد كان التكسير (ضخ مياه ورمال ومواد كيماوية في البئر تحت ضغط عالٍ لفتح الشقوق التي يمكن أن يتدفق النفط والغاز من خلالها) فعّالاً بشكل مذهل فقط عندما يقترن بالحفر الأفقي. لكن آبار النفط الصخري الحديثة لم يعُد يتم إدخالها كالمقشات المغروزة في الأرض، لكن يتم حفرها نحو الأسفل ومن ثم بانحراف لمسافة ميل أو أكثر، لفتح حفرة أكبر بكثير من خلال طبقة من الصخور الحاملة للموارد. لكن "التكسير"، مع ظهوره السريع العذب والصدى الغامض، هو الذي استحوذ على خيال الرأي العام وأصبح مرادفاً لإنتاج النفط الصخري ككل. إلا أن كثيراً من الناس في صناعة النفط والغاز يكرهون الكلمة، بسبب اعتمادها المتحمس من قِبل خصومهم في الحركة البيئية. ويصفها أحد التنفيذيين بأنها "خطاب الكراهية"، وقد أفسحت المجال بسهولة كبيرة لعبارات جديدة مثل frack off (تكسَّر إلى الجحيم) وno fracking way. (مستحيل) كما حاول البعض في الصناعة استخدام الكلمة لتكون تهجئتها على شكل fraccing باعتبارها أنموذجاً مفيداً من المصطلحات، لكنهم يخوضون معركة خاسرة: إنها كلمة fracking "التكسير" التي دخلت قاموس أكسفورد الإنجليزي وموجودة في أنحاء الاستخدام كافة لغير المختصين، بما في ذلك الموجة الأولى من الكتب التي تقوم بتوضيحها للقارئ العام. وحتى عزرا ليفانت، في كتابه الجدلي المؤيد للصناعة بلا مواربة، بعنوان "الفيض"، أعطى عنواناً فرعياً لكتابه "الحجة المؤيدة للتكسير الهيدروليكي". وعلى الرغم من الفوائد الواضحة التي ولّدها إنتاج النفط الصخري، إلا أنه لا يزال يلقى معارضة شديدة من منظمي الحملات البيئية. وقد أدت المخاوف بشأن التلوث المحتمل لإمدادات المياه من المواد الكيماوية المستخدمة في التكسير إلى تعزيز الانتقادات في بعض الأماكن، بما فيها فرنسا وبلغاريا وولاية نيويورك، كما أثارت احتجاجات في أماكن أخرى، من ضمنها بريطانيا. وجذب الفيلم الوثائقي المناهض للتكسير "جازلاند" (عام 2010)، للمخرج جوش فوكس من نيويورك، جمهورا في أنحاء العالم كافة، من خلال تصويره المثير للقلق لعائلات تم تسميمها، وكذلك لقطة مثيرة لرجل بإمكانه إضرام النار في المياه المتدفقة من حنفية المطبخ. ويواجه ليفانت، وهو معلق تلفزيوني يوصف على موقعه الإلكتروني بأنه "المقاتل الأول من أجل الحرية في كندا"، أولئك المعارضين لإنتاج النفط الصخري في نقاش وجهاً لوجه. ويجادل بأن التكسير هو "التكنولوجيا الجميلة ذات الاسم البشع"، التي تقوم بخلق "طاقة وفيرة ورخيصة ونظيفة وديمقراطية"، وأن المخاوف بشأن تهديده للبيئة بولغ فيها إلى حد كبير. ويُعتبر أسلوبه مشاكساً، ولا يبذل جهداً يذكر لكسب المتشككين، كما أن الكتاب مليء بتأكيدات مثيرة للجدل. لكن لكماته غالباً ما تصيب أكثر مما تخطئ، وأطروحته بشكل عام مُقنعة. وردّه على فيلم "جازلاند"، يتناول الفيلم مشهداً مشهداً تقريباً، هو مقنع بشكل خاص، وسيكون من المثير للاهتمام رؤية رد مفصل بشكل مساو من المخرج فوكس. ويوجد فصل قوي آخر يمنحك جولة سريعة لسلسلة نقاشات حول التكسير في أنحاء العالم كافة، بما في ذلك قسم مُعبّر عن أوكرانيا، تمت كتابته قبل الأزمة الأخيرة، يوضّح كيف يمكن أن يكون إنتاج النفط الصخري "نقطة تحوّل" في محاولات البلاد للتحرر من سيطرة روسيا على إمدادات الطاقة لأوكرانيا. ويملك ليفانت موهبة العبارات الجذابة اللافتة للنظر، حين يصف مثلاً الغاز الصخري بأنه "قهوة التجارة العادلة" للطاقة لأنه يتم إنتاجه في الولايات المتحدة وكندا وليس في بلدان مثل روسيا. ووصفه للمقر الرئيس لشركة جازبروم التي تحتكر تصدير الغاز في روسيا، مع بنائه الإضافي "الذي يشبه هيكلاً بين مساحة صالة ستوديو 54 وغرفة مجلس وزراء خروشوف" هو أيضاً قوي بشكل يبعث على التسلية. إذا كنت تبحث عن ذخيرة لجدال على طاولة العشاء مع أصدقاء وأقارب من ذوي الأفكار البيئية لكنهم ليسوا مطلعين جيداً على الموضوع، فإن "الفيض" هو الكتاب المناسب لك. ولقصة أكثر تنوعاً، فأنت تحتاج كتاب "الطفرة" للمؤلف راسل جولد، وهو أفضل استعراض متوافر لتاريخ التكسير والآثار المترتبة عليه. وباعتباره مراسلاً في مجال الطاقة في "وول ستريت جورنال" وظل في هذا المجال منذ عام 2002، شهد جولد القصة بالكامل منذ البداية. فمعرفته للعديد من الأشخاص والأماكن المركزية في ثورة النفط الصخري من قبل أن تتصدر عناوين الأخبار الرئيسة منح الكتاب عمقاً أكبر من أي قصة أخرى تم نشرها حتى الآن. وتربطه أيضاً علاقة شخصية مع الأشخاص المتضررين من التكسير. وردا على فيلم "جازلاند"، الذي يبدأ مع فوكس وهو يُخبر قصة مماثلة، يفتتح جولد كتاب "الطفرة" برسالة لوالديه من شركة لإنتاج الغاز تسأل ما إذا كانت قادرة على الحفر تحت الأرض التي يملكونها مع أصدقاء في ولاية بنسلفانيا، مقابل 400 ألف دولار مقدّماً ودفعات حقوق ملكية عن أي غاز يتم إنتاجه. وعندما يقوم جولد فيما بعد بوصف نقاشات في مجتمعات تشعر بالقلق بشأن الاضطراب الذي أحدثه الحفر والتهديد الذي تخشاه على إمدادات المياه، فبإمكانه رواية النقاشات بصفته عليماً بالموضوع. كما يروي القصة الأوسع بشكل جيد، مع صور مميزة بشكل حاد لشخصيات رائدة مثل جورج ميتشل، ابن راعي ماعز يوناني أمضى عقوداً في محاولة "كسر نظام" الغاز في حقل بارنيت للغاز الصخري في شمال تكساس، ونجح في نهاية المطاف. وهناك تصوير نابض بالحياة بشكل مناسب لأوبري ماك كليندون، الرجل ذي الشخصية الجذابة الذي استخدم حملة من صفقات الأراضي لجعل شركته "تشيسابيكي للطاقة" تظهر فجأة على الساحة لتصبح ثاني أكبر شركة إنتاج غاز في الولايات المتحدة، بعد شركة إكسون موبيل. كذلك الكثير من المادة نفسها تم تناولها في كتاب شركات التكسير للمؤلف جريجوري زاكرمان، وهو زميل جولد في "وول ستريت جورنال". وكان زاكرمان يملك الفكرة الذكية للتركيز بشكل أساسي على عدد قليل من الشخصيات المركزية في بروز صناعة النفط الصخري. وكما يرصد بحق، فهي قصة أمريكية كلاسيكية. ويقول: "إن نجاحات مخططي مشاريع حقبة النفط الصخري يمكن أن تُعزى إلى الإبداع والتبجح والرغبة القوية فعلاً في الثراء. فهي لن تتسم بصفة أمريكية أكثر من ذلك". وبدرجات متفاوتة، يمكن اعتبار ليفانت وجولد وزاكرمان جميعاً من مؤيدي ثورة النفط الصخري. لكن إذا أردتَ رفضاً شاملاً لما تزعمه، فإنك تحتاج إلى كتاب "البرد والجوع وفي الظلام" للمؤلف بيل باورز. بدلاً من الشخصيات الملونة النابضة بالحياة، يحوي الكتاب خرائط ورسومات بيانية وجداول أحادية اللون، بما في ذلك جدول على صفحتين فقط لأرقام عن أداء الآبار من خليج المكسيك. مع ذلك، فهو يستحق مواصلة القراءة، لأن باورز كان قد تفحص بعمق إمكانات الغاز الصخري، وذلك بدراسة البيانات من الولايات وحقول الغاز بشكل فردي، واستنتج أن المزاعم بأن الولايات المتحدة تملك موارد لتوفير الإمدادات لأكثر من 100 عام، التي غالباً ما تستشهد بها الصناعة، هي مبالغ فيها بشكل كبير، حيث يتنبأ بأزمة حادة فيما يتعلق بتوفير إمدادات الغاز بحلول عام 2015، في الوقت الذي تكابد فيه الصناعة من أجل مواكبة الطلب المتزايد. هذا النوع من التحليل يمكن أن يكون مضللاً. ومع ذلك، مثل هذه النقاشات عد تذكيرا بأن التنبؤ في مجال الطاقة ليس أسهل مما هو في أي مجال آخر، حيث يعتبر ارتفاع أسعار الغاز في الولايات المتحدة الذي سببته الأحوال الجوية الباردة في بداية العام، على الرغم من عدم تأكيد فرضية باورز، على الأقل تذكير بأن التوقعات بإمدادات غاز غير محدودة بأسعار منخفضة جداً إلى الأبد كان مبالغاً فيها. والجواب الذي قدمه باورز هو تطوير مصادر أخرى للطاقة بما في ذلك الطاقة النووية والمتجددة، والاستفادة من الطاقة بفعالية أكبر. كما يُشير مايكل ليفي، وهو واحد من محللي الطاقة الأكثر جديّة في الولايات المتحدة، في كتاب "اندفاع الطاقة"، فإن القليل جداً من ذلك يحدث بالفعل: حيث توجد "ثورتان من ثورات الطاقة في حالة تكشُّف"، ليس مجرد واحدة. بينما كانت "نوبة النفط الصخري" تحدث، كان هناك أيضاً تطورات وإنجازات كبيرة في الطاقة الشمسية، والسيارات الكهربائية، ومقدار الأميال التي يقطعها كل جالون من البنزين في السيارات. ويقوم ليفي، وهو زميل في مجلس العلاقات الخارجية، بعمل رائع بوضع طفرة التكسير في السياق الأوسع - على وجه الخصوص، ارتباطها بسياسات لمواجهة تهديد تغير المناخ. واستنتاجه هو أن مناصري البيئة وخبراء التكسير، مثل المزارع وراعي البقر، ينبغي أن يكونوا أصدقاء، أو على الأقل يدركون المصالح المشتركة فيما بينهم. وعلى الرغم من الشكوك كافة حول توقعات المناخ، يقول ليفي إن من الواضح أن ظاهرة الاحتباس الحراري تعتبر تهديداً، والغاز الذي يتم إنتاجه بالتكسير يخفض انبعاثات غازات الدفيئة في الوقت الراهن عن طريق استبدال الفحم. ويجادل بأن على كلا الجانبين تقديم تنازلات لتقبّل مصادر الطاقة القديمة والجديدة. لكن فكرة أن الغاز وقود "أقل تكلفة" بإمكانه الحفاظ على إمدادات الطاقة في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار البدائل النظيفة، هي فكرة انتُقِدت من قِبل كثير من مناهضي التكسير، الذين يصفونه بأنه "جسر لا يؤدي إلى أي مكان". ربما ينبغي أن يوضّحوا أنك إذا قمت بركل الجسر بعيداً، فيمكن أن ينتهي بك الأمر واقفاً على لا شيء على الإطلاق.