منذ أيام، تواظب 10 أمهات كرديات على الاعتصام أمام مبنى بلدية دياربكر في جنوب شرقي تركيا، للمطالبة بإطلاق أبنائهنّ وبناتهنّ الطلاب في المرحلة الثانوية، متّهمين حزب العمال الكردستاني بخطفهم إلى الجبال وتجنيدهم في صفوفه. المشهد دفع المعارضة القومية التركية إلى تشبيه «الكردستاني» بجماعة «بوكو حرام» التي خطفت أكثر من 200 طالبة في نيجيريا، والى اتهام حكومة رجب طيب أردوغان بالتراخي أمنياً في جنوب شرقي تركيا، بسبب تفاهماتها مع زعيم الحزب عبدالله أوجلان، ما أتاح لعناصره التطاول، من خلال عمليات خطف وشنّ هجمات على رجال أمن في وضح النهار، بلا رادع أو رقيب. وأقرّ حسين شيليك الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، بأن «الكردستاني» يعيش «حال غرور، وبات يهدد كل التفاهمات بين زعيمه والحكومة، من أجل تسوية سلمية للقضية الكردية». وأشار إلى «تفاقم حوادث خطف مدنيين وعسكريين، ومهاجمة مراكز أمن حدودية جديدة، وقطع طرق ونصب حواجز بقوة السلاح». لكنه لم يجد ما يردّ به على أسئلة المعارضة ووسائل الإعلام حول خطة الحكومة لتحرير أبناء تلك النسوة، سوى عبارة يكرّرها أردوغان في هذا الصدد، ومفادها أن «لدى الحكومة خططاً جاهزة للتحرّك، لكنها تنتظر أن يتراجع الخاطفون عن خطئهم بالحسنى». وتتصاعد انتقادات المعارضة لأردوغان، إذ تتهمه بتعريض أمن البلاد لخطر ودخول بازار سياسي مع «الكردستاني» المصنّف «إرهابياً» في تركيا، من أجل ضمان نيل أصوات الأكراد في انتخابات الرئاسة التي يعتزم رئيس الوزراء خوضها في آب (أغسطس) المقبل، لتأمين فوزه من الدورة الأولى، وتجنّب خطر الخسارة إذا امتدت المعركة إلى دورة ثانية، ففي هذه الحال سيواجه مرشحاً قد تلتفّ حوله كل قوى المعارضة. وأظهر آخر استطلاع للرأي أن 35 في المئة من الأتراك يؤيدون ترشّح أردوغان للرئاسة، ما يعني أنه يحتاج أصوات الأكراد لتجاوز نسبة 50 في المئة والفوز من الدورة الأولى، فيما تتشتّت أصوات منافسيه بين أطياف المعارضة. لكن المشهد الانتخابي قد يسوء إذا قرّر رئيس حزب السلام والديموقراطية الكردي صلاح الدين دميرطاش الترشّح للرئاسة، ولو صورياً، إذ سيحرم أردوغان أصوات الأكراد ويجبره على خوض دورة ثانية قد لا تسعفه فيها أصوات جميع الأكراد الأتراك. ويلفت مقرّبون من رئيس الوزراء إلى أن عدم حسم الصوت الكردي هو ما يؤخر إعلانه رسمياً ترشحه للرئاسة. لكن ضمان هذا الصوت منوط بقرار من أوجلان الذي يقضي عقوبة بالسجن المؤبد، وكان عرض شروطه لدعم أردوغان، وتتضمّن خروج الأول من السجن إلى إقامة جبرية في منزله، ومنح الأكراد حكماً ذاتياً والعفو عن مسلحي «الكردستاني» والسماح بعودتهم إلى تركيا، وضمان كل ذلك دستورياً قبل مناقشة انتخابات الرئاسة. ويقف أردوغان بين شروط أوجلان وصورة أمهات دياربكر اللواتي ينتظرن منه خطوة جريئة لتحرير أبنائهنّ، علماً بأن أي عملية عسكرية الآن ضد «الكردستاني» ستنسف كل التفاهمات مع الحكومة ومناخ المفاوضات. ويبدو أن حديث أردوغان عن خطة لتحرير الطلاب المخطوفين لا يُطمئن قلوب أمهاتهم ولا يُسكِت المعارضة، كما أن وعوده للأكراد بوضع خطة لتسوية قضيتهم خلال 18 شهراً ليست مقنعة لأوجلان، الذي ينأى عن شراء «سمك في البحر»، لذلك ما زال رئيس الوزراء يؤخّر إعلان ترشحّه للرئاسة، قبل أقل من شهرين على الدورة الأولى الانتخابية.