تعتبر سوق رمادان معلماً تاريخياً منزوياً في محافظة تربة تنظر إلى الوجود نظرة مودع بوجه عبوس ظهرت على ملامحه آثار السنين، تضمحل وتتآكل وتتلاشى تحت ضغوط ميكانيكية وكيماوية بطيئتا التأثير اللتين تنهشان من أحشائها وأطرافها وتساندهما عوامل التعرية سريعة التأثير التي يأتي في مقدمها وأكثرها فتكاً بجسمها العليل منها الرياح والأمطار ودرجة الحرارة المتقلبة بين ارتفاع وانخفاض، وفقاً لمطالب ومزاجية الفصول الأربعة، بينما تقتص هذه العوامل من المعلم التاريخي الذي لم يبق منه سوى شيء من الطين والحجارة وجزء ولو يسير لا يتجاوز أحياناً حفنة تراب في شكل يومي، ولم يحظَ ما تبقى منه كغيره من المعالم بالرعاية والعناية، ولعل السقم يغادره وتستعيد القوة والفتوة وتنهض من جديد. وإلى جانب التجوية والتعرية اللتين صبتا جام غضب الطبيعة على التاريخ المحسوس وجرداه من ثوبها، جاءت بلدية محافظة تربة بعدتها وعتادها يدفعها طموح مواكبة العصر ودفع عجلة التطوير واستأصلت من الأثر التاريخي أجزاء تجاوزت نصفها. وأكّد رئيس المجلس البلدي في محافظة تربة عبدالله الشريف لـ «الحياة» أن سوق رمادان أزيل معظم مبانيها بأمر من الشرطة عقب شكاوى تقدم بها عدد من المواطنين، مبيناً أن السوق التي كانت في قديم الزمان تشهد حركة اقتصادية نشطة من بيع وشراء وعقد صفقات تجارية بين التجار هجرها المستثمرون، البعض منهم توفي والبعض الآخر نقل النشاط إلى الأسواق الحديثة. وأضاف الشريف: «وتحولت «رمادان» إلى مبانٍ أثرية مهجورة خاوية، نهارها صمت مطبق وليلها ظلام حالك مخيف، وبذلك توافرت البيئة الخصبة للمهربين والهاربين والمتخلفين والمخالفين لنظام الإقامة والعمل الذين اقتصنوا الفرصة واتخذوا منها سكناً وملاذاً آمناً من الوقوع في يد العدالة، وتزايدت أعدادهم التي فضحت أمرهم، وأضحت سوق رمادان مصدر خطر وقلق للسكان، خصوصاً المجاورين لها ما دفعهم إلى اللجوء للجهات المختصة من ضمنها الشرطة والأمانة لطلب الحماية من الخطر المحيط بمنازلهم، وبناء على هذه الشكاوى المتكررة صدرت توجيهات بإزالة السوق للمصلحة العامة. وقال: «بقيت من السوق كشواهد بازرة ثلاثة أو أربعة مبانٍ ما زالت قائمة». وأشار إلى أن الأجزاء التي تمت إزالتها بالية لا يستفاد منها، ويبدو أنه من الصعب إعادة ترميمها وتطويرها فهي متفككة وآيلة للسقوط قبل تنفيذ قرار الإزالة، بينما الجزء الباقي ما زال بحال جيدة. من جهته، قال المدير العام للهيئة العامة للسياحة والآثار في محافظة الطـــائف عبدالله السواط لـ «الحياة»، تهتم الهيئة الـــعامة للسياحة والآثار بالتراث العـــمراني، وبـــادرت بإنشـــاء المركز الوطـــني للتراث العمراني الذي يضطلع بمهام المحافظة على التراث العــــمراني في جـــميع أنحــاء السعـــودية، وإعادة تهيئتها لـــتعود للحياة وتكــون شاهداً على الحضارات السابقة، وحـــرصت الحكومة على إصدار التشريعات التي تمـــنع إزالة أي مبــــنى تراثي إلا بعد الرجوع للهيئة العامة للسياحة والآثار. وقال السواط: «إن سوق رمادان بمحافظــة تربة للأســـف هي من الــمباني التي اندثرت قبل إنشاء الــــهيئة العامة للســياحة والآثار ولم تعــــد قائمة، أما بقـــية الأسواق التاريخية فتستعد للدورة الثامنة لسوق عكاظ، وهناك شراكة مع أمانة محافظة الطائف لمشروع وسط الطائف التاريخي الذي سيكون أحد المواقع السياحية المهمة في عاصمة المصائف العربية». المجلس البلدي