النسخة: الورقية - دولي حزب «الجبهة الوطنية» في فرنسا هو أبرز حزب خارج هيئات الدولة وبناها التمثيلية التنفيذية والإجرائية (البرلمان، البلديات...)، وشعبيته تنتشر لدى كل الفئات المهنية - الاجتماعية وليست مقتصرة على فئة. ولم يخالف التوقعات ما ترتب على فوزه بالحصة الفرنسية الأكبر في الانتخابات الأوروبية. والأغلب ان يتوسل فوزه هذا الى تقويض اطر الاتحاد الأوروبي عوض اللجوء الى الأدوات السياسية الأوروبية من اجل تحسين صيغ العمل في هذه الأطر وتحريك عجلتها. ولا شك في ان هذه الانتخابات ثانوية، لكنها تنذر بتغير توازنات السياسة في فرنسا. والمشاركة في الانتخابات الأوروبية لم ترتفع عما كانت عليه عام 2009 ارتفاعاً يعتد به، وبلغت اليوم 43 في المئة، وهو معدل مشاركة منخفض. وناخبو المعارضة اليمينية وناخبو «الجبهة الوطنية» أقبلوا على المشاركة اكثر من ناخبي اليسار الذين مالوا الى المقاطعة للتعبير عن خيبة املهم من اداء الحزب الاشتراكي في الحكم. ووفق استطلاع أعدّه معهد «إيبسوس ستيريا»، لم يشارك في الانتخابات الأوروبية غير 42 في المئة من ناخبي فرنسوا هولاند في 2012، بينما ارتفعت معدلات مشاركة ناخبي نيكولا ساركوزي الى 52 في المئة، ومارين لوبان الى 50 في المئة. وانخفضت معدلات اقتراع ناخبي الحزب الاشتراكي من 16.5 في المئة عام 2009 الى 14 في المئة عام 2014، أي الى أقل ما كانت عليه نسبة مشاركتهم في ذروة تعثر ولاية فرنسوا ميتران. وبدا ان حال الاشتراكية الفرنسية، بعد عامين على فوزها بالرئاسة، عـادت الى ما آلت اليه الاشتراكية «الميتيرانية» بعد 12 سنة على فوزها بالرئاسة عام 1981 (فوز القوى الديغولية بالغالبية البرلمانية في آخر سنتــــين من نهاية عهده). ولا يغفل المراقبون ان تأيـــيد الحزب الاشتراكي في اوساط العمال يكاد أن يتبدد (8 في المئة) وفي اوساط الأسر الفرنسية غير الميسورة التي يقل دخـــلها السنوي عن 20 الف يورو (11 في المئة). والــوهن لم يصب الحزب الاشتراكي فحسب، بل طاول كذلك اليسار عموماً: فلوائح اليسار الحكومية واليسار المعارض جمعت بعـــد لأي ثلث الناخبين. فاليسار يفقد صدقيته ومشروعيته تضعف، ومنذ 2009، فقد 11 نقطــة من شعبيته ونفوذه ينحسر ويأفل في الانتخابات البلدية في دول الاتحاد الأوروبي. وهزيمته المحلية والأوروبية تشير الى صعوبات تنتظره في الاستحقاقات المقبلة. ولم يفلح اليمين ويمين الوسط في تجييش ناخبيهما كما فعلا في الانتخابات البلدية الأخيرة. وخسر «الاتحاد من اجل حركة شعبية» 6.5 نقطة في هذه الانتخابات قياساً الى اقتراع 2009، وارتفعت نقاط الوسط ارتفاعاً طفيفاً. وفوز حزب «الجبهة الوطنية» بـ 25 في المئة من اصوات الفرنسيين المشاركين في الانتخابات الأوروبية لا نظير له في حياته السياسية. ولم يسبق ان تصدر المكانة الأولى في النظام الانتخابي، ويبدو ان استراتيجية توسعه أثمرت. وللمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الأوروبية، يحرز حزبٌ من خارج الأطر السياسية الأوروبية الجامعة غالبية نسبية. وتفوّق الحزب هذا على أبرز قوتين في الحكومة، وفي الجولات الانتخابية الأوروبية الست الماضية، لم يتجاوز عتبة المرتبة الثالثة (1989)، وتأرجح بين الرابعة عام 1984 و2004 والمرتبة الخامسة في 1994، وحل في المرتبة السادسة في 2009، والثامنة في 1999. واليوم استقطب 43 في المئة من اصوات العمال و37 في المئة من اصوات العاطلين من العمل. ويبدو انه لم يفلح في استمالة الناخبين فوق الستين سنة، وتصدّر اقتراع هؤلاء حزب «الاتحاد من اجل حركة شعبية» في كل الشرائح المهنية- الاجتماعية. وبروز نفوذ «الجبهة الوطنية» هو من نتائج الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتفاقم ضيق الفرنسيين بالعولمة وأوروبا، ومن بنات تراجع شعبية رئيس الجمهورية والـــغالبية التي وصلت الى الحكم في 2012. وفي الأوساط الشعبية، بدا ان التصويت لـ «الجبهة الوطنية» هو صنو الاحتجاج على الغـــالبية الحاكمة. وحزب «الجبهة الوطنية» غيّــر خطابـــه السيــــاسي، واجتاف قسماً كبيراً من افكار القومية الجمهورية، فيما مال عدد من اقتراحاته الاقتصادية والاجتماعية الى اليسار، فجمع التأييد من مصادر مختلفة. * استاذ وباحث، عن «لوفيغارو» الفرنسية، إعداد منال نحاس