×
محافظة المنطقة الشرقية

مدني جدة : 13 فرقة للسيطرة على حريق بمستودعات الخمرة

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي لم يسبق لزعيم جهادي أن كان تحت إمرته هذا العدد الكبير من المقاتلين، وأمسك بمقاليد أراضٍ مترامية الأطراف وموارد مالية ضخمة مثلما يفعل أبو بكر البغدادي. ونفوذه لا نظيره له بين الجهاديين. حتى نفوذ أسامة بن لادن في أيامه الذهبية في أفغانستان قبل هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، لم يضاهِ نفوذ البغدادي الذي ينتشر رجاله من تخوم بغداد إلى ضاحية دمشق، ومن الحدود الأردنية إلى الحدود التركية. وهو «الجهادي الخفي» البعيد من عدسات الكاميرا ومنابر العلن، على خلاف بن لادن والظواهري من بعده. ولا يسع أحداً القول إنه قابله شخصياً ولا يمكنه وصفه، والصورة المتداولة عنه قديمة ومشوّشة. واسمه لا يشي بهويته، فهو لقب أو كنية منتحلة ومركبة. فالبغدادي ينسب نفسه إلى الخليفة الأول والصحابي أبو بكر الصديق وإلى العاصمة العراقية. ولا يوجه تسجيلات مرئية إلى مناصريه، وتنسب إليه تسجيلات صوتية قصيرة لا أحد يعرف ما إذا كانت فعلاً تعود إليه. وصمته وغيابه عن عالم الصور المرئية يلفّانه بالغموض ويسبغان عليه هالة أسطورية تتردد أصداؤها في الدائرة الجهادية من إندونيسيا إلى موريتانيا مروراً بالضواحي الأوروبية: كأن أفعاله هي أصدق إنباء عنه وقسوة بطشه هي خطابه ولسان حكمه. وما يُعرف عنه لا يزيد على معلومات قليلة: فهو يتحدر من محافظة ديالى شرق العراق المضطرب الذي تزعزع استقراره الاغتيالات والهجمات الانتحارية، وأسرته تنتمي إلى عشيرة السامرائي، تابع تحصيله العلمي في الجامعة الإسلامية في بغداد ولم يسبق له أن حمل السلاح قبل الاجتياح الأميركي للعراق في 2003. وبعد عقد على انضوائه في مجموعة مقاتلين صغيرة، تربع الرجل في صدارة الجهاديين، وفي إمرته عشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين وأكثر من 7 آلاف أو 8 آلاف مقاتل في سورية. جنوده يسيطرون على شطر لا يستهان به من الأنبار (الفلوجة وجزء من الرمادي) في العراق، ويهددون مشارف بغداد وينفخون الرعب في نينوى (الموصل) وصلاح الدين (تكريت وسامراء). وفي سورية يهيمن هؤلاء على محافظتي دير الزور والرقة، ويستخرجون النفط قرب الحسكة وينشطون في اللاذقية وحلب وإدلب وحماة وليست دمشق في مأمن منهم. عداوة بين «النصرة» و «داعش» والمتطوعون الجهاديون يتقاطرون من أوروبا وآسيا الوسطى وأستراليا والقوقاز والمغرب والخليج إلى الشام من أجل القتال تحت راية البغدادي، وليس تحت راية «جبهة النصرة»، الفرع الرسمي لـ «القاعدة» في سورية. وعلى رغم أن راية هذين التنظيمين واحدة (العلم الأسود) وأهدافهما واحدة (إرساء دولة إسلامية تحتكم إلى مفاهيم متطرفة...)، اشتعل القتال في شبكة «القاعدة». ويبدو أن «داعش» هو أفدح خطر يهدد «القاعدة» منذ أنشأه بن لادن في المناطق القبلية الباكستانية عام 1988، وهو عدوه اللدود الذي ينهشه من الداخل. وتعود العداوة بين «النصرة» و «داعش» إلى نهاية آذار (مارس) 2013، حين أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» الاندماج مع تنظيم «جبهة النصرة» السوري، وعلى رأسه أبو محمد الجولاني. ولم يطل الأمر قبل مناوأة «النصرة» «الدولة الاسلامية» ورفضه الذوبان الكامل في جسم واحد وتمسكه بالحدود بين البلدين: كل يجاهد في بلده. وفي ملاذه الباكستاني، أدرك أيمن الظواهري الخطر الداهم، فانحاز إلى «النصرة». لكن «أبو بكر البغدادي» الذي لم يعلن البيعة للظواهري إثر مقتل بن لادن، لم يتراجع. وثمة خلاف قديم بين الرجلين، العقائدي المصري والزعيم العراقي الشاب الذي تتلمذ على «أبو مصعب الزرقاوي» المتحدر من الأردن. وهذا كان زعيماً ثانوياً في «القاعدة» في كردستان العراق عام 2002، ولكن سرعان ما تصدر القتال ضد الأميركيين في العراق في 2003، وقطع يد المقاول الأميركي، نيكولا بيرغ، في أيار (مايو) 2004. وشن الزرقاوي حملة مجازر (عمليات انتحارية) ضد الشيعة، لكن الظواهري عارض استراتيجيته التي تهدد بتحول الجهاد العالمي إلى فتنة إسلامية، فطلب منه العدول عن استهداف الشيعة. فلم يمتثل الزرقاوي، وقُتِل في غارة أميركية على ديالى في حزيران (يونيو) 2006. وأرسل الظواهري من يحل محله على رأس «القاعدة في بلاد ما بين النهرين»: أبو حمزة المهاجر (يوسف الدرديري) المصري. فاندمجت المنظمة بمجموعات صغيرة، وأبصر النور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، في وقت بدا أن حظوظ المشروع الجهادي ذوت في العراق في نهاية 2006، مع استمالة الجيش الأميركي قبائل عراقية سنّية. وفي 2010، قُتل أبو حمزة المهاجر وأمير «القاعدة» العراقي. فأمسك البغدادي بمقاليد منظمة أصابها الوهن ولكن شوكتها القتالية لم تضعف. وثمة هوة أجيال بين الظواهري والبغدادي: فالأول عاصر الجهاد الأفغاني والثاني اشتد عوده في الجهاد العراقي. والمصري (الظواهري) منظر عقائدي لا يكل عن الكلام على نتائج الثورات العربية وتاريخ «الإخوان المسلمين» في مصر، بينما العراقي (أبو بكر) مقاتل شرس لا يرحم. وعنف البغدادي المنفلت من أي عقال يجذب المقاتلين. وهالة الظواهري المستمدة من هجمات الحادي عشر من أيلول لم تخبُ، لكن دالته معنوية وغير راسخة في ميدان معركة ويعيش خارج العالم العربي، وهو فقيه شؤون الجهاد البعيد (ضد العدو الغربي). وعلى خلافه، البغدادي عاصر إمارة الفلوجة حين سيطر المقاتلون على المدينة في 2004، ويتصدر أولوياته جهاد القريب، أي ضد العدو المباشر، أي المسلمين المعارضين لمشروعه. ولا شك في أن موت بن لادن في مطلع «الربيع العربي» أطلق شرارة التنافس على خلافته. وتنظيم «القاعدة» شأن المنظمات السياسية لم ينجُ من النزاعات على القيادة. ومنذ تربعه على «الدولة الإسلامية في العراق» في 2010، نظم 60 انفجاراً في يوم واحد أودت بحياة 110 أشخاص. وانسحاب القوات الأميركية في 2011، وسياسة المالكي الطائفية ساهما في تقوية قبضته. فسياسة المالكي قمعت السّنّة وأقصتهم ورمتهم في أحضان المتطرفين. تواطؤ نظام الأسد وفي ربيع 2011، اندلعت الثورة في سورية، ونزل الناس إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية. وشطر راجح من المنتفضين سنّة لا يستسيغون طغيان الأقلية العلوية التي يتحدر منها آل الأسد. ويومها أثار إطلاق النظام السوري عدداً من القادة الجهاديين دهشة المراقبين. فلماذا يفرج عمن سيحمل السلاح ضد نظام الأسد؟ مثل هذا الإفراج يندرج في سياق «إدارة» النظام الأزمة الطائفية ويساهم في التفاف الأقليات وراء الأسد ورص صفوفها ضد الخطر السنّي المتطرف. ولم تخفَ على الاستخبارات السورية - وهذه باعها طويل منذ 2003 في تهريب الجهاديين إلى العراق و «إدارتهم» – مشاريع «زبائنها» من الجهاديين. ويتصدر أولويات بعض هؤلاء إنشاء خلافة إسلامية وفرض الشريعة وليس إرساء الديموقراطية. ولم يطل الأمر قبل أن تؤتى ثمار الإفراج هذا. ففي مطــــلع 2012، أعلن تنظيم «جبهة النصرة» تشكله بقيادة أبو محمد الجـــولاني. واستمال هذا السوريين إليه، ولم يتستر على صلاته بتنظـــيم الدولة الإسلامية في العراق. وهذا ظهر في سورية مطلع 2013. وعلى خلاف «جبهة النصرة»، لم يسع «داعش» إلى مواجهة الجيــش السوري، وكان شاغله هو بسط سيطرته على أراضٍ سورية متصلة هي جسره إلى العراق. وسيطر على قرى ومدن في غفلة من الأسياد عليها. فوضع اليد على الرقة، أولى عواصم المحافظات التي تحررت من قبضة النظام، وأعدم جنوداً علويين. وصادر مستودعات سلاح للمعارضة واغتال بعض قيادييها، ثم استهدف المناطق النفطية، وسيطر على عائداتها وعلى «تجارة» الرهائن الغربيين. وفي آذار 2013، حلّ شراكته مع «النصرة». وشاغل البغدادي الهوسي هو التجربة العراقية وبروز قوات الصحوة المناهضة لـ «القاعدة». لذا، بادر إلى تصفية كل المعارضين والمنافسين في المناطق التي وقعت في قبضته. واستهدف «داعش» المعارضين العلمانيين والمجموعات الإسلامية على حد سواء. ونأت قوات الأسد بنفسها عن استهداف «داعش». ومقربون من نظام الأسد يشترون النفط من الجهاديين. ولكن هل «داعش» أداة من أدوات الأسد، على نحو ما يقول المعارضون العلمانيون؟ يرى خبير في الحركات الجهادية هو الباحث الفرنسي، دومينيك توما، أن هذا القول يغالي في الانزلاق إلى نظرية المؤامرة، وينبه إلى أن الجهاديين المطلق سراحهم لم يلتحقوا بالدولة الإسلامية. وإطار الحرب ضبابي ومتغير، كما يقول. ولكن مما لا شك فيه أن «داعش» جنّد كثيراً من البعثيين العراقيين السابقين، وهؤلاء صلاتهم وثيقة بدمشق. تجارة الرهائن في مطلع 2013، مد رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، اليد إلى بشار الأسد، وأعلن تأييده. فهو كان يواجه انتفاضة سنّية في الأنبار ساهم في اندلاعها على وقع قمع السنّة. واقتنص البغدادي الفرصة لمد «دولته» من العراق إلى سورية. ومواردها نمت باضطراد، ومصادرها تنوعت: النفط السوري وابتزاز الموظفين العراقيين وتجارة الآثار المسروقة من المناطق السورية المحررة وخطف الرهائن الغربيين وعمال الإغاثة وطلب فدية مقابل الإفراج عنهم. وأدرك «داعش» مترتبات جواره الجيو - سياسي، وهاجم الميليشيات الكردية التي سيطرت على كردستان سورية، فاستمال الحكومة التركية التي غضت النظر عن مرور السلاح والمجاهدين عبر حدودها. لكن أنقرة عدلت عن سياستها هذه مطلع 2014. ومن ميدان الحرب «الساخنة»، انتقل «داعش» إلى منابر الإنترنت، واتهم «القاعدة» بمهادنة الديموقراطيين. وإثر تقارب مجموعات مثل «أنصار بيت المقدس» المصرية و «أنصار الشريعة» في تونس وليبيا في نهاية 2013 مع «داعش»، أيد الظواهري حـــــرباً مفتوحة ضد منافسه البغدادي، وساند حملة «الجيش الحر» ومجــــموعات إسلامية كبيرة عليه نهاية كانون الأول (ديسمبر) المنصرم. وهـــذا ما لم يستسغه «النصرة». فأعلن هدنـــة ما لبـــثت أن سقــــطت إثر اغتيال «داعش» مبعوث الظــــواهري. وانتقــــلت نيران الحرب إلى داخل «القاعدة»، وانسحب «داعش» من حلب لكن مواقعه لم تضعف نتيجة تحالفه مع قبائل الرقة ودير الزور. وأخفقت حملة حكومة المالكي في الفلوجة، فوصل «داعش» إلى مشارف بغداد في نيسان (أبريل) الماضي. ولن يطول الأمر قبل أن يستأنف عملياته في سورية، ثم في الغرب. فـ «القاعدة» مات، وعاش تنظيم «قاعدة» آخر، هو «قاعدة البغدادي». و «القاعدة» اليوم هي الدولة الإسلامية في العراق والشام.  * صحافي ومراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 30/5/2014، اعداد م. ن