خلال زيارتنا بمعية معالي رئيس مجلس الشورى لدولة بولندا، تم الالتقاء بالمسؤولين في قمة صنع القرار، وتبادل الرأي حول الأوضاع القائمة عالمياً وأوجه التعاون المشتركة والممكنة. زيارتنا لبولندا جاءت في وقت متسارع الأحداث في منطقتنا ومنطقتهم، بقدر ما تبدو فيه تيارات التحالفات التقليدية محاطة بالغموض وغير متضحة المعالم مستقبلياً، تتضح فيه حالياً مصيرية التفاعل والتعاون السياسي والاقتصادي، وأهمية الحوار مع الجوار القريب والبعيد لتثبيت الاستقرار والأمن وبناء كل مجالات التعاون. وتوضيح الرؤية، حيث تأمين الاحتياجات ومصادر الدعم تزيد أهميته في إطار زمن مضطرب ومتصاعد الأحداث والمستجدات عالميا. وهو الآن زمن صاخب ومقلق للجميع تتداخل فيه أصداء الأحداث عالمياً. فيتزامن صخب تداعيات ما أطلق عليه «الربيع العربي» في جوارنا، مع أصداء صخب مستجدات الأحداث في منطقة البلقان وتدخلات روسيا المقلقة للجوار في القرم وأوكرانيا. وبولندا التي عانت الأمرين من تقاذفها سياسياً في أطماع جيرانها بها خلال الحربين العالميتين: احتلها النازيون ثم الشيوعيون، وتقاسمتها ثلاث دول أوروبية مجاورة حتى اختفت بالكامل من خارطة دول العالم مرتين.. وفي كل مرة تستعيد كيانها الأصلي وتعود دولة سيادية مستقلة. وقد افقدتها الحروب الكثير من معالم تاريخها المعماري الأرستقراطي. ففي الحرب العالمية الثانية أحرق القصف الألماني عاصمتها وارسو بالكامل، وقسمت، ثم ابتلعتها الشيوعية، ثم عادت بعد الاستقلال تحاول بناء هويتها الأصلية. و هم يعتزون جداً حكومةً وشعباً بنجاحهم في استعادة هويتهم والعودة إلى ممارسة طقوس ديانتهم بعد تهميش، بل حظر العبادات في عهد الشيوعية. الآن طبعاً مثل بقية دول البلقان وغرب أوروبا، تراقب بولندا باستياء وتوجس وحذر ما يحدث في الجوار بين روسيا وأوكرانيا. مثلما نراقب نحن في الخليج ما يحدث في جوارنا الحميم من تقارب الولايات المتحدة وإيران، وتصدعات العراق, وتقلقلات تركيا ولبنان, ونتائج اشتعال دول الجوار العربي. في المتاحف صور هشيم وارسو بعد قصف النازيين ذكّرني بنشرات الأخبار في فضائياتنا وهي تبث صور تدمير مدن سوريا والعراق. وخارج نطاق استيضاح الخارطة السياسية، كانت زيارتنا لبولندا أيضاً فرصة لتبين أولويات الجانبين، وإمكانيات التعاون والتبادل الاقتصادي الثنائي والتكامل المستقبلي من حيث الاستيراد والتصدير والاستثمار. بولندا بلد هادئ راق بهدوئه. ومجالات التعاون المحتمل كثيرة. طقسها ممطر وحباها الله أراضي زراعية خصبة تفيض بمنتجات الخضار والفواكه والأزهار واللحوم. وبها منتجعات جميلة ومصحات للعلاج بمياه الينابيع الحارة.. وهناك صناعات معظمها مرتبط بالزراعة والتصنيع الحربي. ولديهم رغبة في التعاون للتنقيب عن النفط الصخري الموجود في شمال البلاد إن كان لدى أرامكو مشاريع تعاون في هذا المجال. سمعة مهارة شركتنا الوطنية العتيدة وصلت الآفاق. .. وسأعود لبعض معالم زيارتنا في حوار قادم..