تعرفت الأجيال على «سنمار» ذلك الآرامي النبطي الشهم المخلص الذي بنى قصر الخورنق في عهد المناذرة في العراق، ثم قتله الملك النعمان عندما رماه من أعلى القصر، وكانت شخصيته خرافية آسرة تمثل الولاء وحسب، وجزاؤه خرافة أيضاً، مثّل عند البعض الجحود وعدّه البعض دفاعاً وحماية لمكتسبات يجب أن تحيطها الصناديق المقفلة، حتى لا يكررها الآخر في الجانب المناظر الذي عادة ما كان يقتص ويقتنص، ويستل ويسلب. وقد وصل خبر سنمار لجيل اليوم من الصغار حين يدسون رؤوسَهم في أحضان أمهاتهم لتصور لهم البطل «سنمار»، ويبدو أن دفء الموقف أنساها أن تردف معلومة جديرة بالوقوف والتأمل، وهي أن سنمار عاد اليوم بإهاب مختلف، ومحمولاته لم تعد قصراً يبنيه؛ إنما هي قوافل من الفكر، وقيادة الموقف، والمبادرة، التي تقفز فوق أسوار العقل، والعمل الدؤوب، والرؤية الثاقبة التي تدفع المهمات للأعلى، وريادة الأمل والعمل، والدعم اللامحدود، والسباق نحو الإتمام والكمال، محمولات تصفو بين يدي صاحب (الخورنق) ليغرف منها أنىّ شاء، ومتى شاء، وهي في أطباق ذهبية من الولاء الذي يغازل كواكب الكون وشموسه. سنمار اليوم، يحمل ذهناً وقاداً وقلباً شفيقاً صفيقاً، يخفق حينما يرى نجاحات مكانه؛ ويورق عندما تذكر إشراقة أشعلها في آفاقه، ويندفع مهنئاً عندما يحيط الإطراء بمواقف أصحابه، ويستقبل القبلة شاكراً وذاكراً حينما تشنّف سمعه احتفاءات الآخر، وحينما يُحرَّر خبر يومض بما يصنع من إبداعات في رواق ذلك الفضاء المكاني؛ الذي لا أجمل ولا أبهى منه. هذا هو سنمار اليوم؛ رواء جميل وزلال حلو شهي تدفقت طيوبه فأروت وارتوت. ونفر المكان من فكرة البطل سنمار، واستفاد صاحبه من فكرة الحروب وتأججها، وبدأت لغة النفي تكرر أمام سنمار لإثبات التهم، ومنها تهمة التدخل في خصوصية الصومعة، وإن كان سنمار أحد شهودها الذين لابد أن يمروا ليلقوا التحية تارة، أو يمرون على الديار (ديار ليلى)، وربما يتفاوت ذلك المرور بنسب مختلفة، وذلك الاختلاف تفرضه طبيعة علاقة الذات بالآخر، فقرر سنمار أن يترجل، ويغادر ذلك الأفق، والمختلف هنا أن الفتنة أشد من القتل.