صارت عادة ثابتة في المباريات العالمية في القرن الـ 21، خصوصاً الدوريات الأوروبية التي باتت معولمة فعليّاً بفضل التلفزة، أن يجري التباري في ملاعب تحيط بها لوحات إعلانية رقميّة للشركات العملاقة التي ترعى الـ»فيفا» ومسابقاتها. وبات مألوفاً لدى جمهور كرة القدم عالميّاً أن يرى الملاعب محاطة بإعلانات مصالح الشركات، خصوصاً منذ بدء صعود البث المتلفز عبر الأقمار الاصطناعيّة وسيلة للإعلام العام. وفي تاريخ اللعبة إن ولادة بعض أساطيرها تزامن تماماً مع بدء عصر الصورة في كرة القدم. وباسترجاع تاريخي، شهد مونديال 1958 أول بث عام متلفز لكأس الكرة. ورأت أعين البشر لاعب احتياط برازيلياً يسجل هدفاً مبهراً في تكتيكاته في مرمى بلغاريا، ويلعب نصف شوط في المباراة النهائية أمام السويد، ليقلب النتيجة رأساً على عقب، فتفوز البرازيل بكأس العالم. وهكذا، أمام التكنولوجيا الإعلامية الجديدة ولدت أسطورة بيليه و»سحرة السامبا». ومنذها، لم تكف مصالح الشركات عن الحضور بكثافة في صورة المونديال. وربما ليس مبالغة القول بأنها أمسكت بزمام اللعبة تماماً. هل هي مصادفة أن تكون كرة القدم أول رياضة طبّقت نظام الاحتراف الذي حول الملاعب الخضر إلى بنوك متحركة تركض عليها أقدام تساوي الملايين، بل مئات الملايين؟ بقول آخر، كانت «الساحرة المستديرة» هي البوابة الواسعة التي نفذت منها الأموال إلى الرياضة كافة. وعندما تسنّم أنطونيو سامارانش رئاسة «اللجنة الأولمبيّة الدوليّة» عام 1980، عمل بدأب على نقل نظام الاحتراف إلى تلك الألعاب التي كانت تتباهى بالهواية. وإنصافاً، لم تكن مزاعم تلك الهواية سوى أسطورة زائفة، بل كانت مدخلاً لنفوذ السياسة وصراعات الدول التي لا تخل من تدخلاّت الأموال أيضاً! زمن التلفزيون وبعده منذ أن صارت تكنولوجيا الإعلام المرئي- المسموع مساحة لكرة القدم، صارت السوق أساساً في هذه الرياضة. وفي «مونديال البرازيل 2014»، ككثير من المونديالات قبله، سترى الأعين أرض الملعب «مسوّرة» تماماً بمصالح الشركات الراعية. لا يخفَ التلاعب المُضمر في كلمة «مسوّر». ومنذ «مونديال اليابان- كورية الجنوبيّة 2010»، دخلت إلى أسماء الشركات الراعية لكرة القدم، شركات المعلوماتية والاتصالات. في المباراة الختامية لـ «شامبيونز ليغ 2014»، تمثّلت المعلوماتية والاتصالات بأسماء شركات «بلاي ستايشن» PSP و#4players، مع ملاحظة أن الأخيرة تعبر عن شبكات التواصل الاجتماعي الرقمي. وتذكيراً، حضرت المعلوماتية في «مونديال 2010»، عبر متصفح «ياهوو» الأميركي الشهير الذي أشرف على الموقع الإلكتروني الرسمي لتلك المسابقة، وشركة «أن تي تي دوكومو» اليابانية الرائدة في مجال هواتف الإنترنت، وشركة «آفايا» الأميركية التي تقدم وسائل اندماج شبكات المعلوماتية مع نظم الاتصالات. وكما في السوق، كذلك في الكرة. وهكذا تكاملت عناصر السوق التي تحيط بالملاعب إحاطة السوار بالمعصم. وفي المباراة الختاميّة لمسابقة «شامبيونز ليغ 2014»، ضمّت اللوحات الإلكترونية التي سوّرت الملعب الأخضر في استاد «النور» في لشبونة البرتغالية، أسماء رعاة تلك المباراة، وهي شركات «ماستر كارد» و«أديداس» و«بيرة هاينكن» و«بلاي ستايشن» و«غاز بروم» و«فورد» و«يونيكارد» و«برايسلس.كوم» و«تويتر» (هاشتاغ #4players)، فيما ظهرت ماركة «نايكه» على أحذية اللاعبين. لنقرأ ثانية: الملعب الأخضر تطوّقه شركات الأموال والمشروبات والسياحة والألعاب الإلكترونية ممثلة عصر المعلوماتية والاتصالات، والغاز وهو يقفز فوق الصراع السياسي والسيارات والسياحة وشبكات التواصل الاجتماعي. ببساطة، أنه تكثيف الحياة المعاصرة في بؤرة كرة القدم. معلوماتية واتصالات