شعر الشاب عبدالله العلي بـ «الغبن» حين علم بقرار إقالته من وظيفته الحكومية، ما إن عاد من الخارج، إذ كان مرافقاً لوالده في رحلة علاجية طويلة. ولم يترك الشاب ووالده باب مسؤول إلا وطرقاه، على أمل إعادته إلى عمله. لكن هذا الشاب لا يفكر اليوم بالعودة، ولو عرضوا عليه راتباً يفوق ثلاثة أضعاف راتبه السابق. كلمة السر لا تكمن في أن العلي كره وظيفته السابقة كـ «محاسب» في المؤسسة العامة لصوامع الغلال في الرياض، بل لأن «أبواب الرزق» فتحت في وجهه، بعد أن قرر أن يفتح مخبزاً صغيراً، سرعان ما توسع ليصبح الموظف السابق مالكاً لمشروع، يوظف أكثر من عشرة موظفين بينهم جامعييون. ويوضح عبدالله سبب فصله من وظيفته بالقول: «حصلت على بكالوريوس محاسبة من جامعة الملك فيصل، وتوظفت في المؤسسة العامة لصوامع الغلال في الرياض، وعملت لمدة عامين حتى تم فصلى من المؤسسة، بسبب غيابي عن العمل لمرافقتي الوالد أثناء علاجه في الخارج»، مضيفاً: «كوني أكبر إخوتي يحتم عليّ مرافقة الوالد في الخارج، فالبقية صغار»، لافتاً إلى أنه ووالده «توسلنا بعد انتهاء العلاج لكل مسؤول تمكنا من مقابلته، على أمل إعادتي إلى وظيفتي إلا أنهم رفضوا، وأصروا على أن القرار نهائي ولا رجعة فيه». واليوم، يقول عبدالله: «حتى لو طلبوا مني العودة إلى وظيفتي السابقة لن أقبل، فكما يقال: «رُبّ ضارة نافعة»، مضيفاً: «كنت أعتقد أن رضا الوالدين أهم من الوظيفة، وترسخ لي هذا الاعتقاد اليوم، فأنا كسبت خير الدنيا والآخرة». ويعمل العلي في صنع خبز الرقاق (المسح). وكانت بداية المشروع فكرة راودته ولاقت تشجيعاً من أسرته وأبناء بلدته، الذين دعموا فكرته بفتح محل لصنع وبيع هذا النوع من الخبز، الذي لم يعد يصنعه سوى النساء في المنازل، وبكميات قليلة مقارنة بحجم الطلب عليه في الأحساء، والمنطقة الشرقية عموماً.وتعلم العلي مهنة «الخبازة» من والدته قبل نحو 20 عاماً. حين كان يقوم بمساعدتها على إعداد الخبر على الصاج، وتوفير حاجات العمل. ويتميز عمل الخبز الذي كانت تعده والدته، التي تحترف صنع الخبز منذ نحو أربعة عقود، بـ «الجودة والطعم»، ولها زبائن من مدن الأحساء وقراها كافة، إضافة إلى أنها كانت توفر الخبز لعدد من المجمعات التجارية الكبيرة. وكان إنتاجها يومياً يراوح بين 250 إلى 300 حبة خبز. ويقول العلي: «إن الحماسة والعزيمة بدأت تزداد لدي، خصوصاً عندما حصلت على التشجيع من الجميع، وقررت تجاوز «ثقافة العيب»، والعمل في أية مهنة أكسب منها المال الحلال، على رغم مصاعب الحياة ومتطلبات البيت والأهل». قرر عبدالله وشقيقه توفير مبلغ ألف ريال، وشراء المعدات الخاصة لعمل خبز الرقاق، وبدأ العمل في متنزه الأحساء الوطني في الإجازات الأسبوعية والرسمية، من العصر وحتى المغرب فقط. ومن هنا بدأت شهرة الشقيقين تنتشر، والحديث عن جودة منتجهما والطعم المميز للخبز. وبعد نحو عام قررا فتح محل في بلدة تتوسط قرى الأحساء الشرقية، حيث الكثافة السكانية. ويضيف: «اتفقت مع إخوتي وأبناء عمومتي على العمل معي برواتب مجزية، حتى أصبحنا عشرة أشخاص، بعضنا خريجو جامعات أو كليات تقنية. وأنا أبحث الآن عن موظف سعودي، لديه الرغبة في العمل بمهنة «خباز تنور». وسيكون راتبه أكثر من أربعة آلاف ريال». وينتج العلي نحو 800 حبة خبز متنوعة المذاق، يقوم بصنعها بحسب رغبة الزبون وطلبه، سواءً من الزعتر أم الجبن أم البيض بالجبن. ويقول: «نقوم بعمل أكثر من 20 نوعاً من المخبوزات المتنوعة. وعلى رغم الطلب المستمر على المنتجات، ويتم توزيع أكثر من 150 ألف حبة خبز مسح للسوق في الشهر». ولا يرى عبدالله «في أي عمل مهما صغر في نظر البعض ما يعيب»، مضيفاً: «تكمن مشكلة الشباب في الخوف من نظرة المجتمع لهم، ونحن نستحي من أنفسنا، فلو كسرنا هذين الحاجزين، لأصبحت سوق المملكة مسعودة بنسبة 70 في المئة، ولن يكون للوافد مكان، إلا المميز والمهم»، مؤكداً أن «الشاب السعودي يملك القدرة على العمل في أي مجال، فقط يحتاج الدعم والتشجيع». الوظائفالمؤسسة العامة لصوامع الغلال