أظنها جورجي أوكيف التي قالت متحدثة عن أعمالها الفنية "إنني أرسم لأعبر عن نفسي عن الأشياء التي أريد أن أحصل عليها عن مشاعري التي تستوعبها الكلمات" في جملتها هذه تقرر الفنانة أن الكلمات قد تكون محدودة وأن الألوان والخطوط ربما تعطيها مساحة أكبر للتعبير عن نفسها. ترى هل اللغة غير قادرة على الاستيعاب الكلي للإنسان.. للفنان في كل حالاته؟ هل نحن في موقف مقارنة بين اللغة وأدواتها واللوحة الفنية بخطوطها وألوانها وعلاقاتها بالضوء؟ هل اللغة بحروفها ولغاتها والجمل التي تصنعها والتاريخ الذي توثقه والأدب الذي تصنعه أقل مكانة من الألوان والخطوط؟ هل يقفان الند للند أو في موقف تنافسي؟ قد نصف الألوان بأنها لانهائية، لاحد لها ولا مدى، قد وقد ننكر وجودها ونعتبرها مجرد نتاج فيزيائي لموجة ضوئية وقد نصنفها بأنها محصورة في مجالنا الإدراكي، وقد ندخل في نقاش طويل عن مفاهيمنا وإدراكنا الفكري والعقلي، لكن هذا أيضاً ينطبق على فهمنا للغة وتعاملنا معها. ففهمنا لنص أدبي يعتمد على تراكمات سابقة، خلفيتنا الثقافية ورؤيتنا الشخصية، وتفاعلنا مع لوحة فنية قد يعتمد على نفس المقومات. قد يعتبر البعض أن الفن رحلة تحرر من النمطية للوصول للإبداع، وإن إنجاز عمل فني يعني تحررك من كل الموانع والحواجز العقلية التي تمنعك من التعبير عن الفكرة أو الإحساس الذي يسكنك أو يقف داخل أسوار عقلك. هي لحظة تخرج فيها من إطارك الشخصي المقولب إلى ذلك الآخر الذي يقبع داخلك مختفياً. لذلك قد تعطي الألوان والخطوط مثلاً مساحة لتحرر هذا المقموع داخلك فرصة للتعبير عن نفسه بعيداً عن حاجز اللغة الذي تضطر لتجميله باختيارك للكلمات وتنميقها. لكن الروائي مثلاً قد يتحرر من خلال شخصيات روايته فقد يصنع شخصية أكثر جرأة منه أو شخصية خجولة مختلفة عنه وبالتالي اللغة هنا ليست حاجزاً. لكن هل الفن حالة تعبيرية دائمة عن الفنان، هل الفن هو الحياة الفكرية البديلة لعقله؟ ليس بالضرورة وليس دائماً، فالفن أحياناً هو وسيلة للخروج من نرجسية الذات المنعزلة. فالفنان في إبداعه والمتلقي في تقبله لهذا الإبداع أو توقفه أمامه ليتأمله يعيشان لحظة تواصل خاصة تنعش العقل وتغير المزاج وتفتح آفاقاً فكرية. الكلمة هي وسيلة تتحرر فيها الفكرة من العزلة العقلية وكذلك الألوان أو الخطوط أو الانحناءة بمنحوتة صغيرة أو الخيط المعقود أو قطعة قماش لتكون أشكالاً وألواناً وحروفاً أو حتى النغمة الموسيقية هي وسائل لإخراج الفكرة أو المشاعر من السجن العقلي لتصبح هناك مجسدة أمامك وأمام الآخرين. فحين تهرب لصفحات كتاب أو ردهات متحف أو في مقعد في مسرح أو قاعة سينمائية أو عرض موسيقي أنت تعيش لحظة مختلفة وتجربة مميزة تضيف لك. الفن هو أحرف متراقصة تنثر ألواناً وأشكالاً أمام عينيك.