×
محافظة المدينة المنورة

“جامعة طيبة” تُطلق مبادرة التوظيف الصيفي التكاملي للطلاب في المحافظات

صورة الخبر

--> --> انتهت الانتخابات الرئاسية في مصر، وظهرت مؤشرات أولية لنتائجها النهائية التي لم تعلن رسميا بعد. وأظن أننا لسنا في حاجة إلى انتظار الإعلان الرسمي عن هذه النتائج؛ حتى يصبح بوسعنا استخلاص دروسها المستفادة وتأثيراتها المحتملة على مستقبل الحياة السياسية في مصر. فالواقع أن ما جرى في هذه الانتخابات وما كشفت عنه من نتائج يبعثان برسائل بالغة الأهمية إلى مختلف الأطراف المعنية، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الأطراف ستحسن قراءة الرسائل التي يفترض أن تكون قد وصلتها بالفعل وما إذا كان بوسعها أن تستخلص منها دلالاتها الحقيقية. تظهر المؤشرات الأولية للانتخابات الرئاسية في مصر، ثلاث نتائج بالغة الأهمية، يحسن بنا أن نقف عند دلالة كل منها على حدة: النتيجة الأولى: تتعلق بنسبة الأصوات التي حصل عليها كل من المرشحين. فبينما حصل المشير السيسي على أكثر من 96% من إجمالي الأصوات الصحيحة، لم يحصل منافسه الوحيد حمدين صباحي إلا على أقل من 4% من إجمالي هذه الأصوات. وإن دل هذا الانتصار الكاسح لأحد المرشحين على شيء فإنما يدل على أن قصورا بنيويا شاب العملية الانتخابية نفسها، بسبب افتقارها إلى التنافسية والتكافؤ اللازمين لإضفاء الحدود الدنيا من المصداقية عليها، مما جعلها تبدو أقرب ما تكون إلى الاستفتاء على شخص المشير منها إلى انتخابات حقيقية يصعب التكهن بنتائجها. ورغم أن أحدا على الإطلاق لم يتوقع فوز حمدين صباحي في هذه الانتخابات، ربما باستثناء حمدين صباحي نفسه، إلا أن كثيرين، وأنا واحد منهم، كانوا يأملون في أن يحصل صباحي على نسبة تتراوح بين 20-30% من إجمالي الأصوات الصحيحة. ولأن هذه الأماني لم تكن تعبر عن ثقة مبالغ فيها في جدارة حمدين صباحي أو أهليته للفوز بالمنصب الرفيع بقدر ما كانت تعبر عن رغبة عارمة في إنجاح الانتخابات الرئاسية نفسها. يخشى أن ينتقص الفوز الكاسح للسيسي على هذا النحو من مصداقية الانتخابات نفسها، وأن يثير شكوكا مبررة حول شفافيتها ونزاهتها. النتيجة الثانية: تتعلق بنسبة المشاركين في التصويت وتأثيرها على الشرعية السياسية للرئيس المنتخب. فالنتائج غير الرسمية تشير إلى أن هذه النسبة تقل عن 45 % من إجمالي المقيدين في الجداول الانتخابية. ورغم أنها تعد نسبة معقولة، خصوصا إذا ما قورنت بالمتوسطات العالمية لنسب المشاركة في الانتخابات في العديد من الدول الديمقراطية، إلا أنها تقل عن نسبة المشاركة في الجولة الثانية من انتخابات 2012، والتي وصلت إلى ما يقرب من 52% من إجمالي المقيدين في ذلك الوقت على الجداول الانتخابية، كما تقل كثيرا جدا عن توقعات الأوساط الإعلامية، وعن توقعات المسئولين عن الحملات الانتخابية، وعن توقعات المرشحين أنفسهم، والتي وصلت سقوفها أحيانا إلى ما يزيد على 70%. ولأن المشير السيسي كان قد أعلن بنفسه في أحد أحاديثه المتلفزة أنه يتوقع مشاركة ما لا يقل عن 40 مليون ناخب، بينما لم يتجاوز من شاركوا فعلا في هذه الانتخابات 25 مليون ناخب، فمن الطبيعي أن تثار أسئلة كثيرة حول الأسباب التي دفعت بنسبة كبيرة من الناخبين إلى الإحجام عن المشاركة في انتخابات على هذا القدر من الأهمية والحساسية، ومن الطبيعي أيضا أن تثار أسئلة أكثر حول التأثير السلبي لهذا الاحجام على الشرعية السياسية للرئيس المنتخب. النتيجة الثالثة: تتعلق بالأجواء المحيطة بالعملية الانتخابية، خاصة ما يتعلق منها بأداء الأجهزة الرسمية وغير الرسمية. فقد جرت هذه الانتخابات في ظل أجواء استقطابية يسودها ميل متزايد لاستخدام العنف، وفي ظل وجود أعداد كبيرة من المسجونين السياسيين ومن المحاكمات التي يفتقر العديد منها إلى الحدود الدنيا من قواعد العدالة والانصاف، وفي ظل إعلام منحاز ومستنفر إلى الدرجة التي وصلت به إلى حدود الهستيريا ودفعته أحيانا إلى توجيه السباب والإهانات إلى الشعب المصري بمختلف طوائفه. ولا جدال في أن هذه الأجواء غير الطبيعية والاستثنائية أثرت على أداء اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية وأصابتها بارتباك، دفعها لاتخاذ قرارات أقل ما يقال فيها إنها لم تكن صائبة، ربما كان أهمها قرار تمديد الانتخابات ليوم ثالث. فقد أثار هذا القرار والذي لم يكن له ما يبرره على الإطلاق، لغطا كبيرا ألقى بظلال قاتمة على حيدة ونزاهة الجهة المشرفة على العملية الانتخابية برمتها. ربما يكون بوسع المرشح الفائز أن يواجه الملاحظات الخاصة بتدني نسبة المشاركة التصويتية في هذه الانتخابات، مقارنة بمثيلتها في الجولة الثانية من انتخابات 2012، بالتركيز على إجمالي عدد الأصوات التي حصل عليها، والتي تتجاوز مرة ونصف عدد الأصوات التي حصل عليها الدكتور مرسي في انتخابات 2012 والسؤال: كيف تدرك الأطراف المعنية ما جرى في هذه الانتخابات الرئاسية، وكيف ستتعامل مع ما أسفرت عنه من نتائج؟ أعتقد أن هذا الإدراك سيتوقف على أشياء كثيرة، ربما يكون أهمها تقارير بعثات المتابعة الموفدة رسميا من المنظمات الدولية، خاصة من جانب كل من الاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي. فإذا أقرت هذه البعثات بأن التجاوزات التي شهدتها هذه الانتخابات، والتي عادة ما تحدث في كل انتخابات تجرى في دول العالم الثالث، لم يؤثر بشكل حاسم ولم يفسد إرادة الناخبين في تحديد نتائجها، فسوف يكون بوسع الرئيس المنتخب حينئذ أن يتمتع بما يكفي من شرعية تمكنه من التعامل مع المجتمع الدولي بقدر معقول من الثقة بالنفس؟ لكن ماذا عن المسرح السياسي الداخلي في مصر وتعقيداته المتراكمة؟ ربما يكون بوسع المرشح الفائز أن يواجه الملاحظات الخاصة بتدني نسبة المشاركة التصويتية في هذه الانتخابات، مقارنة بمثيلتها في الجولة الثانية من انتخابات 2012، بالتركيز على إجمالي عدد الأصوات التي حصل عليها والتي تتجاوز مرة ونصف عدد الأصوات التي حصل عليها الدكتور مرسي في انتخابات 2012. غير أن ذلك لا يجب أن يطمس أبدا حقيقة أن صورة "البطل المنقذ" التي ظهر عليها بعد 3 يوليو قد اهتزت كثيرا منذ ذلك الحين، ربما بسبب الطريقة التي أدريرت بها المرحلة الانتقالية الثالثة، وأن الواقع السياسي المصري أعقد كثيرا مما تحاول وسائل الإعلام المصرية إظهاره. وأظن أنه بات عليه أن يدرك أن العديد من المحيطين بحملته الانتخابية اساءوا إليه وألحقوا به ضررا كبيرا يتعين العمل على محو آثاره بسرعة. وربما يكون بوسع المرشح الخاسر في هذه الانتخابات أن يرد على الانتقادات الموجهة إليه، والتي تتهمه بقبول دور الكومبارس الذي لا يليق به، بحجة مضادة تتمحور حول نبل ووطنية دوافعه لدخول انتخابات كان يعلم سلفا أنها ليست متكافئة، فلولا قراره بخوض المنافسة لتحولت الانتخابات الرئاسية إلى جزء من المشكلة، وبالتالي إلى عبء على المستقبل، بدلا من أن تكون جزءا من الحل. غير أنه يتعين على هذا المرشح أن يدرك في الوقت نفسه أن طرق السياسة ليست دائما مفروشة بالنوايا الحسنة أنه ارتكب خطأ كبيرا في الحسابات التي بنى عليها قراره، كما ارتكب أخطاء أكبر في طريقة إدارته للحملة الانتخابية. وربما يكون بوسع جماعة الإخوان والقوى المتحالفة معها أن تعثر في تدني نسبة المشاركة وفي الأجواء غير الطبيعية التي أحاطت بالعملية الانتخابية، على دلائل للتشكيك في مصداقية تلك الانتخابات، غير أنني أعتقد أنها سترتكب خطأ قاتلا، يضاف إلى أخطائها العديدة السابقة، إن هي اعتقدت أن نتائج الانتخابات الرئاسية تصب لصالحها، أو تقربها من تحقيق أهدافها، أو تؤكد صحة الاستراتيجية التي تنتهجها في مقاومة ما تعتبره انقلابا عسكريا. فالواقع أن الخوف من عودة الدولة البوليسية وشبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك، لا يعني ابدا أن الطريق أمام الجماعة بات مفتوحا لتعويض ما فقدته من تعاطف شعبي، أو أن قطاعات الشباب الرافضة للممارسات القمعية الراهنة يمكن أن تقف مع الجماعة في نفس الخندق السياسي والفكري. أيا كانت المبررات التي يسوقها هذا المرشح أو ذاك، فلا جدال في أن الشعب المصري أثبت بهذه الانتخابات أنه ليس على استعداد لأن يعطي لأحد شيكا على بياض، وأن لديه مخاوف مشروعة يتعين على صانع القرار ان يأخذها في اعتباره. أظن أنه بات على الرئيس المنتخب أن يطرح على الفور رؤية للم الشمل والخروج بالبلاد من أزمة سياسية ما تزال عميقة رغم اجتياز عقبة الانتخابات الرئاسية، شكليا على الأقل.