أصبح لَدَينَا إدمانٌ تكنولوجيٌّ هو أشدُّ خطرًا، وأعظمُ فتكًا من المخدرات، فالمخدرات تُغيِّبُ العقلَ عن الوجود، وتُشعر متعاطيها بالسعادة الوقتية الوهمية، وهي تُعطِّله عن المشاركة المجتمعية، والمساهمة في التنمية الوطنية، فلا عقل يُبدع ولا فِكر يخترع. وهذا بالفعل ما أصبحنا نرى عوارضه على كثير من أبنائنا الذين أدمنوا هذه التقنيات بوضعها الحالي، فكيف إذا ما جاءتنا النظارة القوقلية، التي كانت موضوع مقالي السابق؟! أُجزم، ثم أُجزم أنَّ أبناءنا سيكونون بشرًا محنّطين، فهم لن يغادروا فُرشَهم، ولن يقوموا حتى بتنظيف أسنانهم، سيصبحون جُثاثًا بشرية متحركة. لا نفرحُ كثيرًا بالتقنيات والتطورات الحديثة، إنَّها وسائل تدمير ذكية، خاصة لشعوبنا العربية التي لا تستخدم التقنيات بشكل متوازن، بل تدمنه إدمانًا. مشهد يتكرر أريدك أن تراقبه، فتلك مجالسنا العائلية ومناسباتنا الاجتماعية التي كُنَّا نذهب إليها وكلنا شوق لرؤية قريب غائب، أو صديقٍ أبعدتنا عنه مشاغل الدنيا، في تلك المجالس كُنَّا نعرف أخبار بعضنا، وكانت ضحكاتنا تحمل معنى الحب والصفاء، وكنَّا نجد لجراحنا بلسمًا يُشفيها، من كلمات مواساة من صديق مجرّب، أو خبيرٍ عركته الحياة، أو مثقفٍ ملمٍ بتجارب الشعوب. وتأمَّل كذلك ما كان يسودها من الحب والود والأخوة الصادقة، التي تظهر انعكاساتها في ذلك التآلف والتعاون الأسري، والتكاتف الاجتماعي، فما أن يصيب أحدنا مكروه، حتى يهب الإخوة لمساندته ومؤازرته، وما أن تحل علينا مناسبة سعيدة إلاَّ ويجد الكل حواليه يشاركونه فرحته. أمَّا اليوم، فانظر لتلك المجالس التي أصبح يُخيم عليها الصمت، ويمرح فيها الملل، فكل واحد يُمسك بجهازه يُسامره ويُؤانسه ويُلاعبه، كل فردٍ أصبح عالمًا وحده، وهكذا انقطعت العلاقات الاجتماعية والأخوية وقلة الزيارات. حتى إنَّ أعز النَّاس وهي الأم، التي أصبح أبناؤها لا يعرفون عن حالها شيئًا، وإن زاروها جلسوا على مقاعدهم أجسادًا بلا أرواح، يُبرّون أجهزتهم، والأم تعيش في صمتٍ مع كبرها وهمومها. الكل منشغلٌ عنها بتلك الآلات الذكية في قضائها على روح الحياة الجميلة. فهلاَّ تعقلنا وتريثنا واتَّزنَّا في استخدام هذه التقنيات، وجعلنا لها أوقاتًا محدودة نستمتع بفوائدها. d.najah-1375@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (49) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain