أبناؤنا ، الجيل الجديد الشاب من الأبناء والأحفاد ، يتساءلون عن نوع الأوطان العربية التي سيعيشون فيها خلال عشر سنوات من اليوم ، وربما لسنين طويلة قادمة ، فكتب التاريخ في مدارس العرب وجامعاتهم تختلف في شرح هذا التاريخ من وطن عربي لآخر، وبعضها يختلق أموراً لم تكن جزءًا من الأحداث خلال البضع سنوات الماضية ، منذ أن برزت هذه الأوطان . بل هناك أحياناً تجنٍ كبير على التاريخ ، أحداثاً ورجالاً ، وإصرار على بذر بذور الخلاف بين أفراد المجتمع ، عبر سرد تاريخي مؤدلج ، نظراً لأن المناهج الدراسية جرت صياغتها بطرق تخدم توجهات من وضعها لا الحقائق التاريخية ، وبالتالي فإن هنــاك جهلاً فاضحاً بحقائق الأمور منذ الحرب العالمية الأولى وما تلاها من تقسيم تركة الدولة العثمانية إلى أوطان عربية بمسمياتها التي يدافع عنها البعض اليوم وكأنها كيانات جغرافية وسياسية كانت قائمة منذ آلاف السنين . هذا الجيل لم يعاصر حتى فترات الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، وهناك عدد لا بأس به من كبار السن الذين عاصروها ولا زالوا شاهداً عليها ومنقسمين حولها ، حين ارتفعت وتيرة الانقلابات العسكرية وبرزت حركات البعث والقوميين العرب ، وانطلقت مسميات الثوريين والتقدميين والرجعيين . وما سببته من انقسامات ، وإن كانت أقل حدة مما نشاهده اليوم . وتوج الأمريكيون فترة النصف الأخير من القرن الماضي باحتلال العراق وتفريغه من كل مكونات الدولة ، وتحويله إلى ساحة مهيأة للنفوذ الإيراني عبر تأجيج صراع طائفي بين مكونات البلاد كان الشعاران الرئيسيان له ، الشيعة والسنة ، وأصبح المذهب هو الحاكم في اختيارات الناس لساسة البلاد ، والأساس في حرب مذهبية دموية وقودها دماء المئات من أبناء العراق في كل يوم من أيام السنة . العرب يعيشون اليوم مرحلة انتقالية دموية لا مكان فيها لإعادة تقويم التاريخ الحديث الذي نشأ منذ الحرب العالمية الأولى حتى الآن ، فالطائفية الدموية التي أشعلها سقوط النظام العراقي ، وأسست لها المناهج الدراسية الخاطئة ، تتفاعل بشكل مخيف . وبينما نشاهد اليمن تعاني من مجموعة قبلية تقاتل باسم مذهبها الشيعي لإقامة كيان خاص بها ، ونصاب بالذهول والنظام السوري ، وبدعم إيراني ، يقتل مواطنيه بالبراميل المتفجرة والمدفعية الثقيلة بحجة القضاء على ثورة سرقها السلفيون الجهاديون باسم عقيدتهم الخاصة والذين قدموا من مختلف بقاع الأرض لإراقة دماء السوريين في سبيل ، كما يقولون ، تحريرهم ، وفي نفس الوقت يثور عسكريون سابقون في ليبيا ويعلنون الحرب على الجماعات الجهادية التي عاثت في بلادهم فساداً ، ويصر الإخوان المسلمون في مصر على تفجير المواطنين بحجة حقهم ( الشرعي ) في قتل هؤلاء المواطنين حتى يتمكنوا من إقامة نظامهم الإخواني وحكم مصر . لن ندخل الآن في الجدل حول حق الجهاديين في قتل الناس أم عدمه ، ولكننا نبحث عن إجابة يمكننا تقديمها للشباب الحائر في عالمنا العربي الذي تعمه الحرائق وتسيل فيه الدماء بغزارة . تبحث عن إجابة على التساؤل عن النهاية التي ستوصلنا اليها هذه الدماء المسالة ، وتدفعنا تجاهها الانقسامات الحادة في مجتمعاتنا . من المسلم به أن هناك صراعاً بين ماهو قائم ، من الممانعين لهذه الحركات الجهادية وحلفائها ، وهؤلاء الذين ينطلقون في سفك الدماء ، لتحديد نوعية ومستقبل المجتمعات في العالم العربي ، مشرقه ومغربه . وهناك عدة عوامل ستحدد إتجاه ونتائج هذا الصراع ، أولها قدرة الأنظمة المستقرة حالياً وهي عديدة ، على التأقلم مع المتغيرات المطلوب إحداثها داخل المجتمعات العربية في مختلف المجالات بدون استثناء . وثانيها نجاح النظام ، الذي سينتخب رئيسه الآن في مصر على إعادة الاستقرار إلى البلاد وكسب قبول وتأييد قطاع كبير من المواطنين له نظراً لمكانة مصر ذات التسعين مليون عربي وثقلها في تحديد التوجهات المستقبلية للعرب . adnanksalah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (5) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain