النسخة: الورقية - دولي هل كان ممكناً ان يقوم البابا فرنسيس بزيارة الى الاراضي الفلسطينية واسرائيل، وأن يبقي الطابع الديني وحده هو الغالب عليها، من غير ان يواجه المطبّات السياسية وتهم الانحياز الى هذا الجانب او ذاك، في كل خطوة يخطوها او مبادرة يقوم بها، ومهما كانت الدوافع طيبة والنوايا حسنة؟ اطلق البابا خلال زيارته كلاماً عاماً عن الحاجة الى السلام الذي طال انتظاره طويلاً، كما قال، وتجنّب توجيه التهم الى الجهة المسؤولة عن غياب هذا السلام. لكن هذا الكلام العام يظل كلاماً ديبلوماسياً، الهدف منه هو حرص الزائر ان يكون مقبولاً ومرحباً به من كل الاطراف. ذلك ان عدم تحديد المسؤول عن غياب السلام العادل في المنطقة وعن الحرمان الذي يعاني منه الفلسطينيون، يصب في نهاية المطاف في مصلحة اسرائيل، سواء كان ذلك التجاهل مقصوداً او انه كان لا بد منه لتمر الزيارة بسلام. لأن تجهيل الفاعل في هذه الحالة يؤدي الى مساواة الضحية والجلاد، والى التعامل مع الجانبين بنفس القدر من التكريم والتقدير. وربما كان ذلك مقبولاً من شخصية سياسية تحرص على المحافظة على العلاقات الندّية مع كل اطراف النزاع، لكن هل يصح الامر نفسه على شخصية دينية، اكاد أقول أن من واجبها ان ترفع صوت الحق في وجه الظلم، وأن لا تتردد في مواجهة تجار الهيكل في عقر دارهم، على ما فعل السيد المسيح ذات يوم. في زيارته الى فلسطين واسرائيل اضطر البابا فرنسيس الى ارتداء زي الديبلوماسية ليتمكن من المرور في حقل الالغام. وبسبب ادراك الاسرائيليين لحرص البابا على التوازن في تعامله مع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، فقد قطعوا الطريق على كل المبادرات الطيبة التي قام بها حيال الفلسطينيين، خلال زيارته الى بيت لحم، مثل وقفته الرمزية امام جدار الفصل العنصري وتكريمه لاطفال مخيم الدهيشة بزيارته لهم، ومبادرته بالوصول الى الاراضي الفلسطينية مباشرة من الاردن، وليس عبر مطار تل ابيب، كما كان يفعل اسلافه. وفي مقابل هذه الخطوات، التي كان واضحاً ان البابا يقوم بها بعفوية كاملة ومن دون تصنّع، جعله نتانياهو يدفع الثمن، فطلب منه الوقوف امام نصب اقيم في القدس لقتلى اسرائيليين خلال عمليات انتحارية فلسطينية، وأُطلق عليه «نصب ضحايا الارهاب»، كما تم تضمين جدول الزيارة ايضاً قيام البابا بوضع اكليل من الزهور على قبر تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية والمسؤول الاكبر عن المأساة الفلسطينية، (وهو ما لم يُطلب من أي بابا ان يقوم به من قبل)، وفوق ذلك ذكر مكتب نتانياهو انه شرح للبابا ان بناء الجدار الفاصل بين اسرائيل واراضي الضفة الغربية منع سقوط قتلى اسرائيليين «على يد الارهاب الفلسطيني المستمر». في مقابل خطوات الاحراج الاسرائيلية لم يكن امام البابا سوى الاستجابة. لأن الرفض كان سيؤدي الى ازمة ديبلوماسية عميقة في العلاقات بين اسرائيل والفاتيكان، وبين العالمين المسيحي واليهودي، في الوقت الذي يدعو البابا الى تعزيز الحوار بين الديانات التوحيدية الثلاث، وهو ما ركز عليه خلال زيارته ولقاءاته مع رجال الدين المسلمين في القدس خلال زيارته الى المسجد الاقصى. لقد اثبتت زيارة البابا كم هو صعب الحفاظ على مسافة واحدة بين الحق والباطل خلال التعامل مع ازمة الشرق الاوسط. فالنيات الحسنة لا تكفي وحدها لحل هذا النزاع، كما اكدت التجارب على مدى العقود السبعة الماضية. واذا كان لمبادرته الى دعوة ابو مازن وشيمون بيريز «للصلاة من اجل السلام» في الفاتيكان من نتيجة، فهي انها ستؤكد ان الصلاة وحدها لن تكفي لانهاء الظلم واعادة الحق الى اصحابه.