كارثة شخصنة التدين والانتماء في العالم العربي ثقافة يتم الإصرار عليها والتمسك بها في جميع مراحل تحولات الحياة السياسية في المنطقة، فالذاكرة العربية لا تحتفظ الا بالأشخاص، فهم المكان والتاريخ والوجود فبحضورهم تكون الحياة وبنهايتهم تنتهي.. الاوطان في الفكر العربي ذكرى وشيء عدمي، يحتاجها شعور الانسان فقط ليعرف التعبير عن حزنه وحنينه لفكرة الوطن، أما الانسان فهو كل شيء حتى لو ادعى انه فقد كل شيء، وهيمنته هذه تشترط غياب الإخلاص للأشياء الأخرى بما فيها الوطن. القذافي قاد ثورة 1969 من أجل أن تكون ليبيا الوطن حرة، ولما نجحت الثورة أصبح هو الوطن الحر وليبيا فكرة عاطفية لا أكثر، فالولاء يبتدئ منه وينتهي إليه، وتاريخه هو التاريخ الوطني الذي يدرّس في كل مناهج التربية وبيوتها، وحتى التاريخ الذي سبقة لا يكون تاريخا الا ان كان هو حاضرا فيه، فالرمز عمر المختار لم يدخل التاريخ المعلن الا من خلال تاريخ القذافي، عندما اصبح وجوده مكملا لتاريخ عمر المختار، ولما ثار الشعب الليبي عليه وانتهى مقتولا، حضرت ليبيا كفكرة وطن وليست وطنا، والافكار من طبيعتها جدلية وغير مستقرة، وكذلك حال العراق مع صدام حسين وحال من جاء بعد صدام حسين، بطولة اشخاص وهزائم اشخاص تحدث من أجل أشخاص أيضا، لهذا دائما ما يوصف الانسان العربي بأنه غريب داخل وطنه.. في سورية السؤال هو هل يرحل الاسد أم يبقى؟ أما الوطن سورية فلا وجود له إلا بوجود بشار أو غيابه، شخص يتوقف عليه مصير شعب ووطن. وبعد هذا نسأل لماذا فشلت الثورات العربية؟ وظل اعتبار الوطن هو الإجابة الخاطئة عن سؤال الضياع هذا.. فلسطين كانت موجودة كقضية ولما رحل ياسر عرفات رحلت معه، جاء بعده اشخاص يبحثون لهم عن دور في قضية غائبة. عندما أصبح تدين الاشخاص هو الدين جاء فكر الارهاب والتكفير والتصفيات الجسدية والمعنوية، فأدعياء التدين الذين يريدون أن يُعرف الدين بهم عملوا لخلودهم في الدنيا حتى لو كان خلودا مثل ابدية ابليس الذي تتبعه اللعنة في الدنيا والآخرة.. وتعلقهم بذواتهم - الذي يصل الى درجة العشق والهيام - جعل بعض المبصرين يصفونهم: "بأنهم يدعون لأنفسهم وليس لله" عبادة الله لا تتم الا بالكفر بعبادة من سواه،" قل هو الله أحد".. والوطن يبتدئ منه التاريخ ولا ينتهي الا مع بداية جديدة، وطني أحبك لا بديل.. أتريد من قولي دليلا.