×
محافظة المنطقة الشرقية

ولي ولي العهد يؤدي الصلاة على الفقيد الخويطر

صورة الخبر

قليلون من يعرفون اسمه، لكن ملايين باتوا يعرفون قصته، أو معالجاتها المختلفة. الكل يعرف اسمه الحركي. والجميع يتناول حكايته وفق انتماءاته وتوجهاته، وكذلك إحباطاته وانكساراته، وآماله وأحلامه. حمله بعضهم إسقاطات اجتماعية، وصبغه بعضهم الآخر بتحليلات دراسية، وأغدق عليه الجميع نكهات سياسية، لا تخلو من دين حيناً وإيديولوجيا أحياناً، وكلها لا يبتعد عن الاستقطاب. ولم لا؟ وهو نفسه مستقطب، ومعارضوه مستقطبون ومؤيدوه مستقطبون، والمتلقون مستقطبون بدورهم. «المخترع الصغير» شغل المصريين الشاغل على رغم همومهم المتواترة ومشكلاتهم المتقاطرة وانتخاباتهم الدائرة. إبن الـ 17 سنة الذي كان وأسرته ومحيطه وقريته حتى ثلاثة أعوام ماضية جزءاً من المجتمع المصري يدور في ساقية الكادحين الذين جمعهتهم الجغرافيا والتاريخ والثقافة والسياسة، فبدا وكأن الجميع في مركب واحد. لكن «المخترع الصغير» عبد الله عاصم، تحول من طالب في الثانوية العامة إلى حالة تلخص وضع مصر برمتها في 2014، حتى صار يمكن القول إن «المخترع الصغير» بات قضية وطن. نشأته ومدرسته الإخوانية جعلتاه متعاطفاً مع جماعة الإخوان المسلمين داعماً لمظلوميتهم التي يروجون لها حول خلعهم من الحكم وما تعرض له أنصارهم المعتصمون في ميدانَي رابعة والنهضة بعد أسابيع من التلويح بحرق مصر وإسالة الدماء ثمناً للشرعية. أيّد «المخترع الصغير» الجماعة وقضيتها، ويقال إنه حرّض على حرق سيارات الشرطة على سبيل الانتقام من وزارة الداخلية. لكنه في الوقت نفسه كان يمضي قدماً في مجاله التقني الذي أبدع فيه وأظهر ملكات غير عادية في مجال الابتكار الإلكتروني حتى توصل إلى ابتكار نظارة تساعد مرضى الشلل الرباعي على التواصل مع محيطهم. وتقدم بمبتكره إلى شركة «إنتل» التي كانت تنظم مسابقة بين المبتكرين من صغار السن. وعلى رغم أنه لم يفز بالمركز الأول في المسابقة، إلا أنه اختير للانضمام إلى البعثة الشابة المسافرة إلى الولايات المتحدة لحضور معرض الشركة. في تلك الأثناء، كانت حياة عاصم تسير في اتجاهات أخرى. فقد ألقي القبض عليه مساء يوم 25 نيسان (أبريل) الماضي في ميدان التحرير «لأنه كان يرفع شارة رابعة» كما قال أصدقاء له. ولأن قصة «المخترع الصغير» يشوبها منذ بدايتها الكثير من اللغط، قال والده ان سبب القبض عليه هو مشاجرة بينه وبين ضابط شرطة في مقهى في وسط القاهرة. وتم ترحيله إلى مدينته أســيوط وحــبسه لمدة 15 يوماً لإنهاء التحقيقات، وهو ما حال دون سفره إلى أميركا. الطريف أن عدداً من الإعلاميين - وعلى رأسهم لميس الحديدي - ناشدوا وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم السماح له بالسفر ليمثل بلده، لا سيما أنه أكد أنه سيعود حتماً إلى مصر بعد ستة أيام. واستجابت وزارة الداخلية وسافر «المخترع الصغير» «ليمثل مصر» على أن يعود بعد ستة أيام انتهت ولم يعد. عاد أفراد البعثة، ولم يعد الصغير. وبعد اتهامات غير منطقية كثيرة وجهها «المخترع» إلى مسؤولي البعثة، فتارة يتهمهم بأنهم «سحبوا جواز سفره»، وتارة يقول إنه يخشى الاعتقال، إلى أن قطع الصغير الشك باليقين عبر قناة «الجزيرة مباشر مصر»، بالقول إن مستقبله كباحث مقضي عليه ان عاد. العجيب أنه وجه رسالة إلى «مؤيدي الشرعية» في مصر (الإخوان المسلمين) من الشباب طالبهم فيها بالعمل على ملء الفراغ داخل المؤسسات التي انقلبت على «الرئيس الشرعي» محمد مرسي، حتى يتسنى لهم مساعدته على إحكام سيطرته على البلد في حال عاد. أما والده، فقام بسلسلة من المداخلات مع برامح تلفزيونية عدة أظهر فيها رباطة الجأش وقوة المشاعر. فمرة يقول أن ابنه لم يهرب، لكنه خاف من الاعتقال. ومرة يقول إنه لا يعلم سر اختفائه، وتارة يؤكد أن ابنه برفضه العودة إلى مصر يكون ألقى بنفسه في المجهول، مشيراً إلى عدم وجود أقارب لهم هناك ليلجأ إليهم ولا يمتلك نقوداً. لكن عبد الله وجد من يلجأ إليه لجوءاً داعماً معضداً مزوداً بالحماية القانونية والخطوات المدروسة جيداً والإجراءات المنسقة تنسيقاً ممتازاً. مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية أو «كير» تكفل بـ «المخترع الصغير» مخصصاً له محاميتين أميركيتين لتفعيل إجراءات طلب اللجوء السياسي. يشار إلى أن مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية معروف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين ووثيق الصلة بمنظمة «حماس» الفلسطينية وهو ما كانت اشارت اليه المباحث الفيديرالية في عام 2007. وجاء الخبر اليقين، إذ أعلن مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية أن عبد الله يعتقد أن حياته ومستقبله في خطر في حال عاد إلى مصر، ومن ثم فإنه - من خلال المجلس - يجهز أوراقه لتقديمها إلى السلطات الأميركية لاعتباره «لاجئاً سياسياً». لم يتسبب ذلك في صدمة لأهله أو دوائر معارفه ومجتمعه الذي عاش فيه. بل كانت صدمة لمن هم خارج دوائر جماعة الإخوان. وفي خلال ساعات معدودة تحول عبد الله عاصم من «مشروع مخترع صغير» إلى «موعود بلجوء سياسي». المدير التنفيذي لشركة «إنتل» منظمة المسابقة كريم الفاتح قال عبر بيان إن الطالب «عبد الله عاصم» المعروف بـ «المخترع الصغير» تم تسليمه لأحد الأشخاص في الولايات المتحدة الأميركية بالاتفاق معه وبمعرفة والده، عقب الانتهاء من المسابقة، ليكشف الترتيب المسبق لهروب «المخترع». اللافت هو انقسام المناقشات والمناوشات المشتعلة واقعياً وعنبكوتياً حول هروب «المخترع الصغير» إلى ثلاثة أقسام رئيسية تمثل مصر حالياً. غالبية بعيدة من الفضاء العنكبوتي تراه خائناً يمثل فكر جماعة الإخوان المسلمين الذي يحارب الشعور الوطني ويزرع مصلحة الجماعة بديلاً، وفريقان عنكبوتيان أحدهما يرى أن مصر طاردة للإبداع وأن أفضل ما فعله الشاب الصغير هو هروبه، والآخر يرى أن الصغير تعرض لـ «اضطهاد سببه نشأته الإسلامية ومدرسته الإخوانية ومواقفه الربعاوية، وأن الأفضل له هو اللجوء إلى أميركا حيث احترام الحقوق ومراعاة الإنسانية واكتمال الحياة الهنية». لكن قصة «المخترع الصغير» فتحت مسألة الانتماء إلى الوطن التي تعد شوكة في حلق مصر بعد ثورتين أزاحتا الغطاء عن بالوعة منظومة تعليمية بالية، ورعاية أسرية غائبة، وحالة اقتصادية مزرية، وتديّن مظهري خادع متروك برمته لجماعات سياسية، ودولة موازية تتألف من جمعيات وجماعات دعوية سياسية حولت انتماء فئة من الشباب والأطفال من الوطن إلى الجماعة، وهو ما يؤهل كثيرين للحاق بعبد الله هرباً من «مصر القديمة». شباب