×
محافظة مكة المكرمة

رحلة صيد تنتهي بغرق معلم بشاطئ "جميعات القنفذة"

صورة الخبر

قديماً كانت حفلات التخرج مقصورة على الانتهاء من المرحلة الجامعية، على أساس أن الطالب فعلياً يكون قد تخرج من الدراسة وانتقل من مرحلة كونه طالباً جالساً على مقعد طوال ما يربو على الستة عشر عاماً إلى كونه قد نهض وأصبح عاملاً مسؤولاً منتجاً. حتى وإن لم يكن مرشحاً أو راغباً في وظيفة، وحتى إن كان طامحاً إلى إكمال دراسته العليا، إلا أن للتخرج من الجامعة نكهة خاصة، منبثقة من شعور الطالب أنه طوى الصفحة المتعارف عليها عالمياً من التعليم المؤسسي، وحصل على لقب «جامعي» يخوله للعمل مثل ملايين الخريجين ولم يتوقف عند الحد الأدنى من الدراسة. كانت الجامعات هي التي تشرف على هذه الحفلات تنظيماً ودعوة وضيافة، بتشريف أمير المنطقة أو من ينوب عنه ومدير الجامعة والأساتذة والمسؤولين وحضور أهالي الطلاب.. فتكون المسيرة الطلابية بمثابة عبور جسر التلمذة إلى حياة أخرى محفوفة بالكدح والعمل والاستقلال في المورد المالي والشخصية، وغالباً تدشين حياة زوجية وبدء تكوين عائلة.. فالمسألة تأخذ منحى أبعد من مجرد الحصول على شهادة جامعية. لقد كانت عبارة «حفلة تخرج» ترتبط بدهياً بالتخرج من الجامعة، وحتى قبل سنوات قليلة تجاوزت المسألة إلى إقامة حفلات تخرج من الثانوية العامة، وكان المبرر هو أن الطالب تخرج من مرحلة الدراسة النظامية والزي الموحد والحصص الموحدة، والمقررات الموحدة، والصفوف الموحدة إلى تعليم جامعي أرقى، ثم انسحبت الفكرة على خريج المرحلة المتوسطة، والمرحلة الابتدائية، ولقد كانت دهشتي واسعة حين رأيت مدرسة طفلتي في مرحلة الحضانة تجري تدريبات مكثفة من أجل الإعداد لحفل التخرج، تحت رسوم إضافية! حين وصلني الخطاب عن «حفلة تخرج» توقعت أنه وصل إلى طفلتي بالخطأ! في اليوم التالي بادرت إدارة المدرسة بالسؤال عن الحفلة: «أي تخرج؟! إن طفلتي في مرحلة الحضانة! لم تبدأ بالدراسة حتى تتخرج؟! وكدت أتخذ موقفاً وأرفض دفع الرسوم من باب المبدأ.. لكن ما أن رأيت عباءات التخرج الصغيرة المعدة لهذه المرحلة العمرية، وشاهدت تدريب الأطفال.. حتى تراجعت!.. ويبدو أن كل المدارس تلعب اقتصادياً على هذا الوتر النفسي الحسّاس عند الأهالي الذي تدرك فيه أن كل المبادئ تتراجع عندما تكون المسألة لها صلة بفرح الأبناء.. وأنه من النادر أن يجسر الآباء والأمهات بحرمان أطفالهم من مشاركة زملائهم المتعة والفرحة. إن البحث عن الفرح واختراع أسبابه أمر مشروع ومرغوب بل ومحبب تحت أي مبرر لا يخدش الدين والأعراف والنظم بأي حال من الأحوال.. طالما أن المسألة تدخل السرور على القلوب التي توشك أن تصدأ من غياب البهجة.. لكن من غير المبالغة في إقامة «حفلات تخرج» ترهق مبالغها الأهل، ولا مبرر منطقي لها؛ حيث قصور الأفراح وقاعات الفنادق والولائم والضيافة والورود.. وغيرها من طقوس أليق بحفلات زفاف .. يتكبد فيها الأهالي خسائر جسيمة، وتستشري فيها العدوى بين الطلاب، كل دفعة تنافس الأخرى في إقامة حفل بهيج باهظ مميز مكلف.. في مقدوره أن يحيل الفرحة بالتخرج إلى هم وعناء وخسارة عند الآباء والأمهات.