×
محافظة المنطقة الشرقية

أبل تعتزم تزويد هواتف «آي فون» ببرنامج للتحكم بالأجهزة المنزلية

صورة الخبر

ليلى عساف واحدة من شعراء الجنوب اللبناني عانت ما عانت من الحروب التي استمرت أكثر من عشرين عاماً مع العدو الإسرائيلي فصورت تلك المشاهد شعراً، في مجموعتها الثانية «صيد الحياة» الصادرة عن دار بيسان في بيروت، المشهد المأساوي نراه هنا شعراً مباحاً لتلك الفترة السوداء من عمر لبنان. لبنان، هذا البلد الصغير بمساحة عشرة آلاف كيلو متر مربع، وحده طرد إسرائيل بعد مواجهات عنيفة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي حتى خرج مهزوماً مدحوراً عام ألفين وجنوده تُقصف بالبندورة الفاسدة ووخم الخراف والأبقار، وهم محنيو الرأس على مركباتهم ودباباتهم. صورت ليلى عساف المقيمة حالياً في المملكة العربية السعودية، بحرفة عالية، ونقل مباشر لآلام الناس وانعكاس هذه الحرب الظالمة على حياتهم اليومية. «صيد الحياة» على ما في هذا العنوان من تعبير صادق، عن الحياة التي يصبح اصطيادها عسيراً ومؤلماً خاصة على الأطفال والنساء والشيوخ. هذه هي خلفية هذا الكتاب الشعري، الذي يملك في صفحاته قوة التعبير ومناقلة الأحياء بين سطر وسطر كأن الحياة أصبحت نادرة بهدوئها وبساطتها.. حيث التهديد اليومي للبشر على مدار الساعة. من الصعب تصوير هذا الواقع شعراً، ما لم يكن الشاعر موهوباً وله قدرة على نقل الحدث دون مبالغة أو تسطيح. وفي الشعر، تمتلك ليلى عساف هذه الإمكانيات لتضع يدها وقلمها وروحها وقلبها على روعة القصيدة، إنه شعر مصفّى من المباشرة أو التنظير أو الادعاء بما ليس فيه.. والصدق في الشعر من أبرز ضروراته، حيث يشعر القارئ أي قارئ أن ما يقرأه هو من صلب المعاناة في أرض محروقة لا يعرف الإنسان من أي مكان تجيء الطلقة. هذه المشاهد تتجسّد في التعبير الموحي بالحقائق على نحو آسر، حيث نقرأ: «في كل مرة أسمع صوته أتذكر نباح كلابٍ راحت تطاردني، بينما أبحث عن هواء قبل أن يجيء صياد ويطلق عليَّ النار في الخراب الشاسع. توأم أخطبوط بأذرع لا متناهية تعصرنا، تجعل عروقنا مكانس فضلاتها، فلا تصيبنا رغبة ولا نطمح لأي مجد.. فقط نطارد خبزاً نطلق عليه غناء الأسفلت». هذا مشهد من «في وصف طاغية» إلى أن تقول «أنفاسه دخان خانق يسّد ثقوب البلاد». متممة الشاعرة هاجسها: «أن يدف رأسك بكعب حذئه، أو يحشوه في كيس ساحقاً ضجة أنفاسك وقصائدك التي خطت فوق أرنبة أنفه ذبابة عنيدة». أي كما تقول ليلى عساف: «إنه الحشد، عصارة شمس لاحتراق طويل، ينغلش، يندفع بي بعيداً عن الطاغية، فلا أنتمي عظاماً لحسائه». وتصف الشاعرة هذا الطاغية، الذي يمكن لنا من خلال الترميز أن نعرفه مباشرة: «الطول: صراخ سياطٍ يضرب وجهي وأنا أبحث عن خبز أو دواء أو كلمة تنطح كالثور. القامة: خيط هواءٍ بسلالم بصعدها ويكون لنا السقوط. العمر: يرتديه كمعطف بكشكشاتٍ ودانتيلا مسننة تدفعنا إلى تجاويف معتمة. الوجه: شعر ورموش وحاجبان ومحاجر مسدودة بكرات جليد تهندس صخرة الوجه. اللون: متغطرس كلون آبائه وأجداده، كلون طيور لا تطير أبداً، كقهقهة هراوات وأعقاب بنادق، كالتجوال في ذاكرة مدببة رؤوسها بالرماح.. ما أجمل أن تتدحرج فوق ألوان العذاب حتى تصل إلى أبيض تدحرجه قلوبنا. الطاغية: يطبق بجزمته العسكرية على أقدم شيء فيَّ.. قصائد يتمدد فوقي كهتاف مُدَوَّ يذهب ويجيء كما لو كنت في مهب العاصفة. هكذا قصائد ليلى عساف: قتل وضرب وطغاة وعسكر وسجون.. ورصاص.. فإذا كان هذا الوضع السائد، عندئذ تصبح الحياة صيداً، على أن يكون الصياد ماهراً وقوياً ويعرف كيف يسدّد رصاصته وألا يصبح ضحية جهله.. ضحية معرفته بالماضي والحاضر والمستقبل.. عالم آخر تعبّر عنه الشاعرة بوجدان صميم، قلَّ أن تجيده شاعرة أخرى.. في هذه المحاكاة يمتزج الشعر بالنثر بالقول الدارج تلتقطه الشاعرة من أفواه الناس فيصبح شعراً، وكم من أقوال شعبية دارجة تُعبر عن الحالة أقوى من الشعر: «حرب تحفر تطلق ينابيع دموع تزحف على طول بحارٍ جارفة في طريقها صوتاً ضعيفاً في طوايا أصوات كثيرة *** كلما حاولت أن أغفو نشيد هادر ظلال متشابكة توقظني للاحتفاء بالربيع بين أنيابها وأحشائي أحب الضحك كثيراً يقفز ويمرح بلهفة وبلا مبالاة كان ذلك قبل أن تفتت الحرب علبة الشكولا التي أكل نصفها وصار شبيهاً بما تبقى» هكذا، تترنم ليلى عساف بنغم ناي حزين تحاول فيه أن تخرج من هذا القبيح، لعل القمر يسطع فوق أرض لا تأكلها الوحوش والحروب والطغيان والغدر والموت من دون أن نستطيع اصطياد الحياة.